مذكرة بعنوان: تأثير المسؤولية الجزائية في تحديد العقوبة PDF
مقدمة :
من المعلوم أن الهدف من كل دراسة هو الوصول إلى حل للإشكالية التي انطلق منها الدارس باعتبارها ظاهرة في حياة المجتمع، والجريمة بطبيعة الحال تأخذ هذا الوصف وبامتياز غير أن الحل الذي يصبو إليه الباحث في هذا المجال قد يختلف عن غيره من الباحثين فالهدف من تناول الجريمة بالبحث قد يكون التقليص من هذه الظاهرة قدر الإمكان وليس إزالتها نهائيا وسواء كان الأمر هذا أو ذاك فلا يمكن تحقيقه دون الأخذ بعين الاعتبار الشخص الذي يأتي الجريمة لسبب أو لاخر.
وفي سبيل تحقيق ذلك ومن أجله وجب أولا فهم دوافع الجريمة لإعطاء مرتكبها الدواء الملائم لمساعدته في الاقلاع عنها نهائيا، وبالمقابل فهم العوامل المختلفة التي تؤثر فيه قبل وضع القواعد الردعية أثناء الدعوى الجزئية وعند تطبيق العقوبة المحكوم بها عليه باسم المجتمع، وطمعا في تحقيق الغاية التي ينوي هذا الأخير الوصول إليها وهي إعادة الادماج الاجتماعي للجانح مرة أخرى، بهدف مراعاة مجمل ظروف المجرم وبالتالي تقدير العقاب حسب مدى إحساسه هو بالضرر الذي سببه للمجتمع.
وتبقى الظروف المحيطة بالمجرم وقت ارتكابه للجرم ذات أهمية بالغة فهي المنطلق من قياس مسؤوليته الجزائية والتي لا يمكن تصور إهمال الأخذ بها خلال كل المراحل متابعته الجزائية وصولا إلى قاضي الحكم الذي سيجزم بها ويقرر منتهاها بتوقيع عقوبة تكون محددة مسبقا من قبل المشرع، لكن تحديدها هذا ليس بينة مسلمة على عدم إمكانية التعديل فيها سواء بالتخفيف أو بالتشديد تبعا لدرجة المسؤولية الجزائية الواقعة على عاتق الفاعل المقدم على الجرم.
إن عملية تقدير العقوبة من الأهمية بمكان، تضطلع بها السلطة التشريعية في البلاد و ذلك من خلال القوانين التي تسنها و على رأسها قانون العقوبات و القوانين المكملة له و التي توضع لتحقيق نفس الهدف مهما اختلفت المجتمعات ألا و هو تنظيم المجتمع و المحافظة على حسن سيره و استمراره، و منه فالعقوبة في مهدها ما هي في الحقيقة إلا تصور نظري لالية تعمل بإحكام من أجل السلوكيات الإنسانية بصفة العموم دونها أي لسير المجتمع التي بدورها تتبع بالطبع تشخيص لأي فرد تأثيره على المنظومة المثالية سياسة و ايدولوجيا مسبقة تبنى من خلالها ركائز المجتمع.
ومن هذا المنطلق في التفكير سيكون من الضروري التركيز على العلاقة بين درجة المسؤولية الجزائية من جهة ومقدار العقوبة من جهة أخرى في كل السياسات المنظمة للمجتمع وبالأخص السياسة الجنائية التي لابد لها من وضع هامش تشريعي خلال سن العقوبات واخر قضائي خلال وضع تلك العقوبات موضع التطبيق، كل ذلك من أجل العمل على تحسين وتطوير الموارد البشرية التي تعتبر الحجر الأساس في بناء كل منظومة اجتماعية متطورة ومتزنة تسير على أسس علمية دقيقة ومحكمة.
أسباب اختيار الموضوع:
إن اهتمامنا بهذا الموضوع جاء وفق اعتبارات موضوعية قائمة على العناصر التالية:
1- أهمية الموضوع: إذ يعتبر موضوع تأثير المسؤولية الجزائية في تقدير العقوبة من المحاور الأساسية التي يعتمد عليها علم العقاب من أجل وضع السياسة الجنائية الملائمة.
2- ندرة الأبحاث في هذا المجال وإن لم نقل انعدامها خاصة من الناحية القانونية.
3- لفت الانتباه نحو العلاقة التناسبية بين المسؤولية الجزائية ومقدار العقوبة.
أهداف الدراسة:
نأمل من خلال طرحنا هذا تحقيق الأهداف الاتي ذكرها:
1- تسليط الضوء على أحكام المسؤولية الجزائية وعلى العلاقة التي تربطها بتقدير العقوبة.
2- الاطلاع على دور المشرع الجزائري في ابرازه لهذه العلاقة بين المسؤولية الجزائية والعقوبة من خلال ما نص عليه ضمن قوانينه الجزائية.
3- معرفة دور القاضي الجزائي في تقدير هذه العلاقة من خلال الضوابط التي يخضع لها في تقديره للعقوبة.
4- طرح بعض التوصيات والاقتراحات بشأن هذا الموضوع بهدف لفت الانتباه ولما لا الاعتماد عليها من أجل تطوير السياسة العقابية.
أهمية الدراسة:
تتجلى أهمية البحث في موضوع تأثير المسؤولية الجزائية في تحديد العقاب في:
1- كون الموضوع يتعلق بتطوير السياسية الجنائية المنتهجة، إذ لا يعتبر انتشار الاجرام مجرد اعتداء على أمن المجتمع أو خروج عن الأوضاع القانونية بقدر ما يمثل فشل المجتمع في رعاية أفراده وحسن توجيههم وكذا أساليب معاملتهم.
2- بالإضافة إلى أن العلاقة بين المسؤولية الجزائية والعقوبة تعتبر من أهم المحاور التي يجب التعمق فيها لما لها من أثار إيجابية في وضع سياسة جنائية ناجعة بهدف تحقيق أغراض العقوبة من ردع وإعادة الادماج الاجتماعي للمجرم.
3- كذلك لتدعيم الطرح القانوني في هذا المجال بهدف إعطاء نظرة أوسع حول موضوع المسؤولية الجزائية وما لها من تأثير في تقدير العقوبة.
الاشكالية:
ببحث كافة العوامل الدافعة للسلوك علم الاجرام كفرع من العلوم الجنائية الاجرامي أما علم العقاب فيهتم ببحث كيفية تطبيق العقوبة بالشكل النافع للمجرم وللمجتمع ومن هنا يبدو الفارق بين العلمين، وعلى الرغم من هذا الاختلاف، إلا أن بين العلمين صلة هي أقرب إلى التصاهر والاندماج، فكلا العلمين يجعل من الظاهرة الاجرامية موضوعا عند هدف واحد وهو العمل على مكافحة الجريمة، وأن كلاهما لأبحاثه، كما أن كلاهما يلتقى عد منطلق للاخر فلا يمكن دراسة الجزاء الجنائي - كمحور اهتمام علم العقاب - إلا بعد التعرف على أسباب الاجرام ذاته.
ولهاذا بدرت لدينا فكرت طرح هذا الموضوع تحت عنوان تأثير المسؤولية الجزائرية في تحديد العقوبة " والذي تتلخص إشكالية بحثه في:
كيف تؤثر المسؤولية الجزائية على تحديد مقدار العقوبة؟
منهج الدراسة:
سعيا منا للتمكن من الموضوع والإجابة على التساؤلات السابقة وكدلك من أجل الوصول إلى النتائج المرجوة بدقة، فقد اعتمدنا على مزيج من المناهج والتي تتمثل في المنهج الوصفي التحليلي حسب أسلوب الاجراء وذلك لما يميزه من صفات الوصف للأوضاع الراهنة من حيث العلاقات والمحتوى، فضلا عما يتميز به من صفات التحليل للمادة العلمية من أجل إعطائها التحليل الدقيق والتفسير العميق في سبيل الوصول إلى استخلاص فهم الجوانب النظرية وأيضا الجوانب الواقعية لهذا الموضوع.
الدراسات السابقة:
بالرغم من كون موضوع المسؤولية الجزائية من المواضيع القديمة والتي أسهب الباحثون في تناولها بالدراسة إلا أن بعض الجوانب المتصلة بها أغلقت عن البحث ولعل أهمها هو الجانب المتصل بالعلاقة التي تربط المسؤولية الجزائية بالعقوبة وبالأخص مدى تأثير المسؤولية الجزائية في تحديد العقوبة، بالرجوع إلى الأبحاث التي تقترب نوعا ما من موضوعنا هذا نجد أن أغلبها تندرج في إطار دراسة موضوع تفريد العقوبة و لعل أهم دراسة تناولت هذا الموضوع و من دون أدنى شك هي البحث الذي قام به الفقيه الفرنسي " سالي " و الذي أصدر بموجبه كتابه المشهور تحت عنوان " تفريد العقوبة " سنة 1898 و الذي طرح من خلاله بعض الضوابط التي رأى أنه من الممكن أن تحقق فكرة التوازن بين المسؤولية الجزائية ومقدار العقوبة دون التطرق إلى كيفية تحقيق ذلك المبتغى ، و يبقى هذا الكتاب بمثابة العمل القاعدي للبحث في مجال العلاقة بين المسؤولية الجزائية و العقوبة بصفة عامة، و من ذلك الإشارة إلى العمل الذي قام به الأستاذ " أوفنهوف " من خلال طرحه لفكرة تجديد و إعادة النظر في فكرة تفريد العقوبة من خلال كتابه المعنون "تفريد العقوبة " منذ سالي إلى اليوم " سنة 2001 " ، كما يمكن ذكر أيضا العمل الذي قدمه الأستاذ " مجحودة أحمد " في كتابه أزمة الوضوح في الإثم الجنائي في القانون الجزائري والقانون المقارن " سنة 2004 والذي تناول في جزء منه الحديث عن فكرة التوازن بين المسؤولية الجزائية ومقدار العقوبة بصفة موجزة دون التطرق إلى التمثيل والتحليل عن هذه الفكرة في ظل القانون الجزائري وبغير هذه الأعمال لا توجد من الأبحاث ما تجدر الإشارة إليها في هذا الموضوع الذي أغفل تناوله لمدة طويلة وهو ما زاد في صعوبة الخوض فيه لقلة المادة العلمية والمراجع حوله.
خطة البحث:
في سبيل تحقيق ما تم ذكره سابقا فقد تم تناول الدراسة على ثلاثة فصول، فصل تمهيدي تناولنا من خلاله أحكام المسؤولية الجزائية ز كذا ماهية العقوبة، يليه فصل أول يتضمن الحديث عن العقوبة كمعيار لقياس المسؤولية الجزائية وكذا فصل ثاني تطرفتا من خلاله للتقدير القضائي للمسؤولية الجزائية، هذا العمل بخاتمة نوجز فيها أهم ما تم تناوله في هذه الدراسة.
وعلى هذا النحو سوف نضطلع بدراسة المسؤولية الجزائية في تحديد العقاب كما يلي:
الفصل التمهيدي: المسؤولية الجزائرية والعقاب
المبحث الأول: أحكام المسؤولية الجزائية.
المبحث الثاني: ماهية العقوبة.
الفصل الأول: العقوبة كمعيار لقياس المسؤولية الجزائية.
المبحث الأول: مبدأ التناسب بين المسؤولية الجزائية والعقاب.
المبحث الثاني: التفريد التشريعي لحالة المسؤولية الجزائية.
الفصل الثاني: التقدير القضائي للمسؤولية الجزائية
المبحث الأول: ضوابط سلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة.
المبحث الثاني: سلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة.
الخاتمة.
---------------------------
قائمة المراجع :
l -د/ أحسن بوسقيعة، الوجيز فى القانون الجزائي العام، الطبعة الثالثة، دار هومة الجزائر 2006.
2-د/ إسحاق ابراهيم منصور، علم الإجرام والعقاب، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1993.
3-د / بهنسي أحمد فتحية، الموسوعة الجنائية في الفقه الإسلامي، بيروت، دار النهضة العربية، الجزء الاول 1991.
4-د/ رضا فرج، شرح قانون العقوبات الجزائري، الكتاب الأول، قانون العقوبات القسم العام، الشركة الوطنية للنشر، الجزائر، طبعة 1998.
5د/ السعيد كامل، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات، الطبعة الأولى، الأردن، دارالثقافة للنشر 2002.
6-د / سليمان عبد المنعم، النظرية العاقمة لقانون العقوبات، دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية 2002.
7-د سمير عالية، شرح قانون العقوبات: القسم العام دراسة المقارنة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر بيروت، 1998.
تعليقات
إرسال تعليق