مذكرة الماجستير بعنوان: الإثبات في المواد التجارية PDF
مقدمة :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لو يعطى الناس بدعواهم لأد عى أناس دماء رجال وأموالهم لكن البينة على من اد عى"، فالإسلام أعطى أهمية كبيرة للإثبات لتذظيم المجتمع الذي كان يتكون حينها، وجاء هذا المبدأ ليبين لناس عدم جواز اقتضاء حقوقهم بأنفسهم.
فمن المتعين على من يدعي حقا أن يلجأ إلى القضاء لتمكينه من هذا الحق والإعتراف له به، وذلك يقتضي من صاحب الحق أن يقنع القاضي بوجوده فالحق يتجرد من قيمته ما لم يقم الدليل على الحادث المبدئ له قانونا، سواء كان هذا الحادث أمرا ماديا أم تصرفا قانونيا، والواقع أن الدليل هو قوام حياة الحق ومعقد النفع فيه.
يتضح من ذلك أن للإثبات أهمية بالغة في المجتمع الذي يعج يوميا بالعلاقات القانونية سواء كانت معاملات مالية أو غير مالية، مما يجعل نظرية الإثبات أهم النظريات القانونية وأكثرها تطبيقا في المحاكم. ونظرا لما تتسم به الحياة التجارية من خصائص مميزة أدى ذلك إلى بروز قوا عد خاصة في الإثبات تختلف عن تلك التي يعرفها القانون المدنى.
فالتجارة تقوم على عاملين أساسيين هما السرعة والإئتمان، فالسرعة تتجلى في كون المعاملات والعقود التجارية تتم بمجرد تبادل الإرادتين بالإيجاب والقبول بعيدا عن الشكلية المعقدة والمتشعبة التي تتطلب وقتا طويلا للانعقاد.
فالتاجر مرتبط بعامل الوقت والربح، لذا فهو ير يد أن يقوم بأكبر عدد ممكن من العمليات التجارية بأقصى سرعة ممكنة، حتى يتسنى له إعادة استثمار أرباحه في مشاريع أخرى.
كما أن عنصر الإئتمان يساهم فى تطوير عالم التجارة ذلك أن أغلب العمليات التجارية تتم بأجل، والتاجر يحتاج إلى مذحه أجالا للوفاء ويدتاج إلى الدقة في المعاملات حتى يضمن استيفاء ديونه من التجار عند حلول أجال استحقاقها.
إن هذين العذصرين هما قوام التجارة وأ ساس القوا عد الخاصة التي تميز قوا عد الإثبات في المواد التجارية. ومن أهم هذه القواعد قاعدة حرية الإثبات في المواد التجارية خروجا عن الأصل، فيجوز إثبات الأعمال التجارية بكافة طرق الإثبات بما فى ذلك البينة والقرائن، واستعمال الدفاتر التجارية والفواتير ومراسلات التاجر أو أية وسيلة أخرى تصلح للإثبات إذا رأت المحكمة وجوب قبولها، وذلك خلافا للقا عدة العامة فى الإثبات التي تستوجب استظهار الدليل الكتابي لإثبات كافة التصرفات القانونية غير التجارية التي تزيد قيمتها عن ألف دينار جزائري أو كانت غير محددة القيمة.
كما تتميز قواعد الإثبات التجارية بأن التاجر يستطيع أن يصطنع دليلا لنفسه ليستعمله في الإثبات وفي المقابل فإنه يجوز إجبار التاجر في بعض الحالات أن قدم دليلا ضد مصالحه.
إلا أنه ومع كل ذلك فقد ألزم المشرع إثبات بعض التصرفات التجار ية بالكتابة دون سواها من وسائل الإثبات مهما بلغت قيمة التصرف القانوني وذلك إما لأنها تستغرق وقتا طويلا للإنعقاد أو لأن المشرع يريد حماية مصلحة معينة بتنظيمه لمجتمع التجارة أو لضمان استيفاء الحقوق الضرببية.
والإثبات في المواد التجارية كما الإثبات المدني يقوم على قواعد عامه تمكن الخصوم من ممارسة حقهم في الإثبات وفقا لمبادئ وطرق حددها ورسمها القانون تتيح لهم تقديم ما يملكون من أدلة لإثبات حقوقهم، وتمنح للذصم الحق في مناقشة هذه الأدلة والرد عليها طبقا لمبدأ المساواة، ويلعب القاضي هنا دورا مهما لتمكين الخصوم من هذا الحق وفق الأطر العامة دون أن يمس في ذلك مبدا الحياد.
ولقواعد الإثبات أهمية كبرى في إعطاء الحق قيمته، وبالتالي فإن دراسة مو ضوع الإثبات التجاري تقتضي البحث في القوا عد القانونية التي قوم وينبني عليها، والتي تمكن من الحسم فى المنازعات بما يضمن استقرار المعاملات في عالم التجارة فالحرية لا تعني هدر الحقوق أو الخروج عن القانون.
ولهذا حاولنا من خلال هذا البحث التطرق إلى القواعد العامة التي يقوم عليها الإثبات في المواد التجارية والتي تسري على كافة الأعمال مهما كانت طبيعتها تجارية أم مدنية، ثم إبراز أهم القواعد الخاصة بالإثبات في المواد التجارية وما تتميز به من خصائص تجعل من نظام الإثبات التجاري نظاما خاصا مختلفا عن قوا عد الإثبات في أي نظام قانوني وذلك ما يجعل من دراسة هذه القوا عد ذات أهمية وفائدة، لأن نظرية الاثبات تعتبر من أهم النظريات القانونية وأكثرها تطبيقا عمليا ناهيك عن الخصوصية التي تتمتع بها في الميدان التجاري مما يؤدي إلى طرح التساؤلات التالية، ما هي القوا عد التي يقوم عليها الإثبات في المواد التجارية؟ وما هي الخصائص التي يمتاز بها؟ ولماذا تقتضي الحياة التجارية مثل هذه الحرية والمرونة في الإثبات ؟ وما هو الدور الذي تلعبه نظرية الإثبات في حسم المنازعات التجارية ) وهذا كله يؤدي إلى طرح السؤال التالي:
ما هي الطرق والمبادئ التي يقوم عليها الاثبات في المواد التجارية؟
للإجابة على ذلك جب أن تفصل درا ستنا على القوا عد العامة التي تدكم عملية المبادئ المستقر عليها والتي تجعل من الإثبات في المواد التجارية الإثبات التجاري، ثم مميزا عن غيره من مبادئ الإثبات الأخرى.
لذلك فقد اعت مدنا المنهج الو صفي لدرا سة المو ضوع مع استعمال التحليل لكل جزئية لأن طبيعة الموضوع تتطلب الوصف الدقيق والتحليل في ان واحد، فالإحاطة بالموضوع تتطلب استعمال التحليل والتفسير القانوني للقواعد العامة والخاصة بالإثبات في المواد التجارية وتحديد نطاقها حتى لا تتشعب إلى أنظمة مشابهة، وحتى يكون الوصول إلى استنتاجات حقيقية تعبر عن طبيعة الموضوع بأهمية الإثبات.
ولكي تكون الدراسة جدية ومعمقة فمن الطبيعي أن نتطرق إلى الذصوص القانونية إلى جانب المراجع العلمية التي تنظم موضوع الإثبات بشكل عام، والإثبات التجاري بشكل أخص، وحتى نصل إلى الفهم الصحيح لا مندوحة من التذكير باستعانة أي باحث قانوني بما توصل إليه الإجتهاد القضائي في الجزائر من خلال قرارات المحكمة العليا المذشورة هنا هناك، حتى تكون الدراسة مرتكزة أضا على الجانب العملي والتطبيقي للقوا عد والذي و يمثل فائدة كبيرة لفهم أي نظام قانوني مطبق في المجتمع.
ومما سبق فقد قمنا بتقسيم هذه الدراسة إلى فصلين رئيسين، تطرقنا في الأول مذها إلى القواعد العامة للإثبات، وفي الثاني إلى القواعد الخاصة بالإثبات في المواد التجارية.
والفصل الأول يتكون من مبحثين نتعرض فيهما لدراسة طبيعة قواعد الإثبات بصفة عامة وما يهم القانون التجاري منها على الخصوص.
فالمبحث الأول يتناول النظرية العامة للإثبات وقسمناه الى ثلاث مطالب فتناولنا في الأول مفهوم الإثبات لغة وإصطلاحا وبنا أهميته في البدا ية ثم انتقلنا الى تحد يد مكان الإثبات في القانون، والإتجاهات الثلاثة التي تحدد مكان القوا عد الشكلية والموضوعية، ثم تعرضنا الى المبادئ الرئيسية في الإثبات وهي مبدا النظام القانوني للإثبات الذي يتفرع إلى مذاهب ثلاث تعنى بدور القاضي في تقدير الأدلة، تناولنا بعده مبدأ دياد القاضي ومبدا الحق في الإثبات وكونه يتقيد بحق الخصم في الإثبات وحق الخصوم في المجابهة بالأدلة.
أما المطلب الثاني فتعرضنا فيه لمحل الإثبات وتطرقنا إلى أن الإثبات يذصب على مصدر الحق لا على الحق نفسه، بالإضافة إلى تطرقنا إلى إثبات القانون الأجذبي والعرف والعادة الإتفاقية وتكلمنا في الأخير عن الشروط الواجب توافرها في محل الإثبات. وتعر ضنا في المطلب الثالث لدراسة عبء الإثبات من ناحيتين، من نادية المبدا وتطرقنا إلى أن المدعى هو من يتدمل عبء الإثبات وكيف يتم انتقال هذا العبء بين الخصوم أما من حيث التطبيق فإن عبء الإثبات يمكن أن يوزع بدكم الواقع أو بدكم القانون أو باتفاق الطرفين.
أما المبحث الثاني فقد خصصناه لدراسة طرق الإثبات التي حددها القانون والتي تتمثل في الكتابة والبينة والقرائن إضافة إلى الإقرار واليمين.
وبعد الفراغ من دراسة القواعد العامة للإثبات خصصنا الفصل الثاني للقواعد الخاصة التي يمتاز بها الإثبات التجاري والأهمية التي تمثلها في دفع حركة التجارة ورؤوس الأموال.
فتم تناول المبادئ الخاصة بالإثبات فى المواد التجارية، و هي مبدأ حر ية الإثبات ومبدأ جواز تمسك التاجر بدليل صدر منه وفي المقابل فإنه يجوز إجبار التاجر على تقديم دليل ضد نفسه وهي الحالة المتمثلة في الدفاتر التجار ية التي تلعب دورا كبيرا لمعر فة مركز التاجر بخصوص مركزه المالي أو في الإثبات، فقد خصصنا هذا المطلب للتكلم عن دور الدفاتر التجارية في الإثبات سواء لمصلحة التاجر أو ضده وكيفية تقديمهما إلى القضاء في كل الحالات.
والمبحث الثاني خصصناه لدراسة الإثبات في الأنظمة التجارية ونظرا لكون العقود التجار ية تكتسي أهمية كبيرة من حيث إثباتها فقد خصصنا لها المطلب الأول، وبينا فيه كيفية إنشائها والقواعد التي تحكمها ثم انتقلنا إلى إثبات العقود التجار ية بالكتابة وأخذنا عقد بيع المحل التجاري وعقد الشركة ذموذجين في كيفية تدخل المشرع لاحد من قاعدة حرية الإثبات، كما استوقفتنا العقود التجارية النموذجية والتي يتم إثباتها من خلال البيانات الواردة فيها وأخذنا عقد النقل بنوعيه نموذجا، وبما أن أغلب العقود التجارية هي عقود رضائية فقد تناولنا أيضا إثبات العقود التجار ية بكافة الطرق وأخذنا كذموذج عقد البيع لشيوعه بين التجار والأشخاص.
وكان المطلب الثاني مخصصا لدور الرسائل والفاتورة في الإثبات، ذلك أن أغلب العقود التجارية تبرم بالمراسلة كما أن دور الفاتورة أصبح يتنامى مما جعل المشرع يهتم بها.
وفي المطلب الثالث تطرقنا إلى كيفية إثبات ذظام الإ فلاس، لأن توقف التاجر عن دفع ديونه قد يؤثر في كل المرتبطين معه بالمعاملة التجارية، فتطرقنا إلى كيفية إدبات هذا النظام بإثبات صفة التاجر وإثبات التوقف عن الدفع. ونختم هذه الدراسة بمجموعة من الا ستنتاجات والملاحظات التي نرى أنها أساسية ومفيدة كختام لهذا الموضوع.
---------------------------
قائمة المراجع :
1- د. أبو سعد محمد شتا: " الاثبات في المواد المدنية والتجارية والشرعية"، مجلدين، دار الفكر العربي، القاهرة .1997
2- د. أبو صفية فخري: " طرق الاثبات في القضاء الاسلامي"، دار الشهاب، باتنة بدون تاريخ.
3- د. أبو الوفاء أحمد: " التعليق على نصوص قانون الاثبات "، الطبعة الرابعة، منشأة المعارف، الإسكندرية 1994.
4- بكوش يحيى: " أدلة الاثبات في القانون المدني الجزائري والفقه الاسلامي "، الطبعة الثانية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1988.
5- د. بن محلة الغوثي: " قواعد الاثبات ومباشرتها في النظام القانوني الجزائري "، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر 2000.
6- د. سلطان أنور: " قواعد الاثبات في المواد المدنية "، الدار الجامعية، بيروت 1984.
7- د. السنهوري أحمد عبد الرزاق: " الوسيط في شرح القانون المدني "، الجزئين الثاني والخامس، دار إحياء التراث، بيروت بدون تاريخ.
8- د. العدوى جلال علي: " أصول أحكام الالتزام والإثبات "، منشأة المعارف، الإسكندرية 1996.
9- د. فرج حسن توفيق: " قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية "، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية 1985.
10- د. قاسم محمد حسن: " الاثبات في المواد المدنية والتجارية "، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت بدون تاريخ.
ll- د. مرقس سليمان: " أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية "، جزئين، عالم الكتب، القاهرة 1981.
تعليقات
إرسال تعليق