القائمة الرئيسية

الصفحات

 أطروحة الدكتوراه بعنوان: نطاق الضمان العشري للمشيدين PDF

نطاق الضمان العشري للمشيدين PDF

مقدمة :
في كل مرة كانت بلادنا تتعرض لكارثة زلزال، نصطدم بحجم الخسائر المادية و البشرية لدرجة تجعل كل واحد منا و لو كان مواطنا عاديا يقف و العديد من الأسئلة تطرح في ذهنه، حول المتسبب الرئيسي - غير الزلزال - في حجم هده الكوارث. و أبسط مثال على ذلك ، ما خلفه زلزال بومرداس من خسائر مادية و بشرية ، كشفت تقارير الخبرة أنها ما كانت لتكون بهذا الحجم لو أ البناءات وفقا للمقاييس المنصوص عليها قانونا .

و حتى بعيدا عن الكوارث الطيعية ، فان إجراء معاينة مدانية للعديد من أحيائنا السكنية ، تجعلنا نقف على مدى هشاشتها و ابتعادها الكلي عن معايير البناء المعمول بها ، و هو ما يجعلها عرضة للانهيار بعد وقت ليس بالطويل من استلامها أو تصدعها قبل أن يكون قد تم تسلمها أو بعد ذلك التسليم بوقت قصير .

حتى منشأتنا الأخرى ، من طرق و جسور ، و سدود ، و ملاعب رياضية ، تنفق الملايير لاقامتها ، لنجد أنفسنا أمام منشات إما مخربة ، أو غير صالحة بتاتا لتأدية وظائفها .
و الجزائر ، ليست وحدها من عانى من هذه الظاهرة ، ذلك أن من أعقد المشكلات التي أتى بها هذا العصر ، هي مشكلة حصول الإنسان على المسكن الملائم ، الذي يجد فيه سكينته ، و يحفظ آدميته ، فلقد غدا الحصول على مثل هذا التحقيق ، بعد أن اختل التوازن بين العرض و المسكن مطلبا عسير المنال ، صعب الطلب في هذا المجال ، بسبب الزيادة الهائلة في عدد السكان ، التي لم تواكبها زيادة مماثلة ، فيما يشيد من مساكن ويقام من منشأت يستلزمها هذا العدد .

النتيجة المنطقية لكل ذلك، هي اتجاه الاستثمارات الكبيرة إلى هذا المجال من و النشاط، إشباعا للحاجات البشرية الضرورية للسكن و المرافق، و تحقيقا للمكاسب المادية الكبيرة و السريعة أيضا، و هو ما نتج عنه تطوير الأساليب المستعملة و اقحا الصناعة في فن البناء ، فظهرت في الميدان الأجزاء من المباني بل و المباني سابقة التصنيع، و عظم شأن المنشات الثابتة الأخرى من جسور و أنفاق و سدود و جسور و طرق و غيرها.

هذه الأهمية ، و التطور في الكم و الكيف ، و الامتداد الرأسي و الأفقي ، و ما أصبحت تمثله قيمة ما يشيد من مبان و منشآت ثابتة أخرى من أهمية بالنسبة للاقتصاد ،و يقع من انتهاك لقيمتها بسبب التهدمات الكلية أو الجزئية و عدم الصلاحية ، جعل مسؤولية كل مشيد تتسم بنوع من التشدد منذ زمن بعيد (1) ، فظهرت المسؤولية العشرية أو الضمان العشري (2) كالتزام جديد يقع على عاتق المهندس المعماري و مقاول البناء بالإضافة إلى مسؤوليتهما العقدية و التقصيرية .

واستمر المشرعون في الاهتمام بهذا النوع من الضمان ، كما تناولوه بالتعديل و التنقيح تارة، و بالتغيير و الإضافة تارة أخرى ، و قد كان هذا هو حال المشرع الفرنسي ، الذي تدخل مرتين متتاليتين ، لم يفصل بينهما فاصل زمني كبير لأحكام هذا الضمان ، إذ تم الأول بالقانون رقم 03 لسنة 1967, الثاني بالقانون رقم 12 لسنة 1978 ، و بذلك غدا كل معماري في فرنسا يقوم بتشييد عمل مسؤولا عما يحدث في هذا العمل من أضرار ، بالإضافة إلى إمكان مساءلته طبقا للقواعد العامة في المسؤولية العقدية أو التقصيرية إذا تحقق سبب أي منها . كما أن هاذين التعديلين أخذا في الحسبان التطور الحاصل في ميدان البناء وما يجره من مفاهيم جديدة تخص هذا الموضوع .

و قد كان للفقه و القضاء أثر بالغ في تدخل المشرع الفرنسي لإحداث هذين التعديلين. و ان كان الأمر كذلك بالنسبة للمشرع الفرنسي ، فنظيره الجزائري و ان لم يكن بمعزل عن كل ذلك ، ولم يكتف بإخضاع المهندس المعماري و المقاول في هذا الميدان المهني ، للقواعد العامة من مسؤولية تعاقدية و تقصيرية ، شأنهما في ذلك شأن غيرهما من سائر المهنيين الآخرين ، بل أخضع مسؤوليتهما كذلك لقواعد أخرى خاصة بهما وحدهما ألا و هي و هي المسؤولية العشرية او الضمان العشري، مقتفيا بذلك أثر التقنين المدني الفرنسي لسنة 1804 ، و اشترط لتطبيقها توافر شروط خاصة تولى بيانها على وجه التحديد بموجب المادة 554 و ما بعدها من القانون المدني ، و رغم ما عرفه مجال تشييد المباني و المنشات الثابتة من قلب هذا المجال رأسا على عقب ، إلا أن مشرعنا ظل محتفظا بهذا تطور و تغير ، الضمان في صورته التقليدية ، و إن حاول تطويره في بعض الإصلاحات التي حدثت بموجب تشريعات خاصة لم تكن في حد ذاتها تستهدف هذا النوع من الضمان،كما هو الأمر بالنسبة للمرسوم التنفيذي رقم : 95—414 المؤرخ في : 09—12—1995 والمتعلق بإلزامية التأمين في مجال البناء ومسؤولية المتدخلين المهنية ، و القانون رقم : 86—07 المؤرخ في 04—03—1986 و المتعلق بالترقية العقارية ، المرسوم التشريعي رقم : 93—03 المؤرخ في : 01—03—1993 المتعلق بالنشاط العقاري ، و التي بموجبها حاول المشرع الجزائري ان يمد في النطاق الشخصي لهذا الضمان العشري ليشمل بعض المساهمين الآخرين في عملية التشييد بالإضافة إلى المهندس المعماري ومقاول البناء،كما حاول ان يمد في نطاقها الموضوعي كما فعل نظيره الفرنسي .

أسباب اختيار  الموضوع: 

إن هنالك أسباب ذاتية و أخرى موضوعية دفعتنا لاختيار هذا الموضوع ، و بيانها :

الأسباب الذاتية : إن اختياري لنطاق الضمان العشري للمشيدين كموضوع للبحث في رسالة الدكتوراه هاته ، لم يكن نتيجة صدفة او فكرة عابرة ، ذلك انه منذ صغري كان يحز في نفسي ما أراه في مبانينا و منشاتنا الثابتة الأخرى من تصدعات و تهدمات و عدم صلاحية ، فتتبادر الأسئلة إلى ذهني حول المتسبب في كل هذا ، و أسباب عدم مساءلته .

و عند دراستي الحقوق و قع نظري على نص المادة 554 من القانون المدني الجزائري التي تتكلم عن الضمان العشري للمهندس المعماري و مقاول البناء ، و أني وجدت الإجابة لكل تساؤلاتي . و عندما أكرمني الله بالدراسات العليا قررت أن يكون هذا الموضوع محل بحث في رسالة الماجستير فكان لي ذلك بموجب رسالتي المعنونة بـ" الضمان العشري للمشيدين في التشريع الجزائري " ، المناقشة سنة 2004 بكلية الحقوق و العلوم السياسية ، جامعة باتنة . و بعد إنجاز هذه الرسالة ، زادت قناعتي بضرورة البحث أكثر في هذا الموضوع ، لما وقفت عليه من مسائل قانونية ومواطن خلل تحتاج الوقوف عليها ببحثها و سدها باقتراح الحلول و البدائل ، خاصة أمام الثورة العقارية التي تعرفها بلادنا .

الأسباب الموضوعية: من خلال رسالة الماجستير المنجزة من طرفنا سالفة الذكر- وقفت أيضا على ندرة الدراسات المتخصصة التي تتناول هذا الموضوع ، بالرغم من أهميته حاضرا و مستقبلا لتعلقه التي تشكل البنية التحتمية لهذا المجتمع .

إذ لم نعثر على المستوى الوطني إلا على رسالة ماجستير واحدة ، أنجزت من طرف الأستاذ : عياشي شعبان بكلية الحقوق جامعة قسنطينة ، تحت عنوان المسؤولية العشرية لمهندسي و مقاولي البناء في القانون المدني الجزائري ، سنة دراسة مقارنة بين التشريع المدني الجزائري ، المصري و الفرنسي 1988 .

و لا يختلف الأمر بالنسبة لقضائنا ، فعند بحثنا على مستوى قرارات المحكمة العليا و مجلس الدولة لم نجد من قراراتهما ما يتطرق لموضوع الضمان العشري .

و لعل مشرعنا و فقهنا لهما بعض العذر في ذلك ، فبالنسبة لمشرعنا ، فلعل عذره في ذلك ، حداثة تشريعنا المدني بالنسبة للمجموعة المدنية الفرنسية ، و حداثة عهدنا بالتطور العلمي والتكنولوجي ، في مجال التشييد و البناء ، و تصنيع هذا المجال ، إلى غير ذلك ، مما أثار الكثير من المشاكل و دفع إلى ضرورة إعادة النظر في أحكام الضمان العشري على مستوى التشريع الفرنسي .

أما بالنسبة لفقهائنا و باحثينا ، فلعل عذرهم في ذلك ، انعدام المشاكل العملية التي تستدعي تطبيق أحكام هذا الضمان ، ليس لعدم وقوعها فعلا ، و إنما لعدم تحريك الدعاوى الخاصة بها من طرف الجهات المختصة أمام القضاء ، خاصة و أن الدولة كانت هي رب العمل ، أي صاحبة أهم المنجزات في ميدان البناء و المنشأت الثابتة الأخرى ، من جهة ، و القائم بإنجاز هذه المباني و المنشأت الثابتة الأخرى من جهة ثانية ، و ذلك في ظل النظام الاشتراكي الذي اتخذته منهاجا لها في ذلك الوقت .

و أمام كل ذلك، ستغيب حتما الاشكاليات القانونية التي تظهر مع أحكام و قرارات القضاء، و التي بدورها تشكل مرتعا خصبا للتحليل و النقاش الفقهي.

غير أن المستقبل يعد بغير ذلك ، و هو ما يتطلب منا كباحثين ضرورة البحث أكثر في هذا الموضوع ، و التعمق فيه للمساهمة لو بجزء بسيط في بناء المنظومة القانونية التي تمكن من الحفاظ على منجزاتنا العقارية التي تشكل جزءا من حياة كل مواطن ، و البنية القاعدية لازدهار هذا الوطن .

أهمية الموضوع:

بعد فتح المجال في الاستثمار أمام الخواص الوطنيين منهم و الأجانب ، و أمام الكم الهائل من السكنات و المنشأت العقارية التي أنجزت في العشرية الماضية و ستنجز- بإذن الله في العشرية القادمة ، و التي كلفت خزينة الدولة المليارات من الدولارات ، و تشكل ثروة لنا في الحاضر و لأجيالنا مستقبلا ، أصبح موضوع الضمان العشري للمشيدين يستحق منا كباحثين ومختصين دراسات اكثر عمقا و و قد تمكنت من خلال رسالة الماجستير من الوقوف على الجانب الحركي في هذا الموضوع، و الذي أثار إشكاليات كثيرة على المستوى الفرنسي لتعلقه بالشروط الموضوعية للضمان و قائمة الأشخاص الدائنين و المدينين بأحكامه ، تصدى لها الفقه و القضاء بجرأة و فعالية كبيرة ، دفعت المشرع الفرنسي إلى التدخل لتعديلها بما يناسب التطورات الحاصلة ، إلى أن استقرت أحكامها بصدور القانون رقم 12 لسنة 1978.

ويعرف نطاق الضمان العشري أيضا بعض الحركية على مستوى تشريعنا من خلال بعض القوانين المتفرقة، و إن كان بدرجة أقل عن تلك التي عرفها على المستوى الفرنسي.

و إيمانا منا بان البحث في رسائل الدكتوراه يمتد عموديا لا أفقيا ، آثرت ان أختزل موضوع هذه الدراسة على " نطاق الضمان العشري للمشيدين "،علني أتمكن من التعمق في هذا الموضوع للخروج بنتائج تفيد مشرعنا و باحثينا و ذلك من خلال ضبط الشروط الموضوعية او النطاق الموضوعي للضمان العشري ، بشكل يمكننا من حماية منجزاتنا العقارية ، و بالمقابل لذلك ضبط قائمة المدينين بهذه الأحكام و المستفيدين منها ، بشكل يمكننا من توزيع هذا الإلتزام و تحميله لكل من ساهم في وقوع تهدم المباني و المنشأت الثابتة أو تعيبها ، بشكل يحقق المساواة في تحمل المسؤولية ، و بالمقابل توفير الحماية لكل مستفيد من هذه المنجزات العقارية بغض النظر عن صفته .
يسلط هذا البحث أشعته على القواعد القانونية التي تحكم نطاق الضمان العشري، و في التشريعين الجزائري و الفرنسي، و مسألة البحث عن الحماية القانونية لما يقام من منجزات عقارية، ومن هنا تبدو أهميته البالغة.

تحديد الاشكالية :

سنحاول من خلال بحثنا هذا الإجابة على الإشكالية التالية:

إلى أي مدى حقق المشرع الجزائري مقارنة بنظيره الفرنسي من خلال ضبطه لأحكام الضمان العشري الحماية القانونية للمنجزات العقارية ولرب العمل و المجتمع ككل ؟
و يتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات :
-هل الشروط الموضوعية للضمان العشري التي تبناها المشرع الجزائري مقارنة بنظيره الفرنسي ، كافية في زمان التطور التكنولوجي الرهيب في الوسائل المستعملة في مجال البناء ،لتوفير الحماية القانونية للمباني و المنشات الثابتة الاخرى .

- و هل استطاع المشرع الجزائري مقارنة بنظيره الفرنسي ضبط قائمة المتدخلين في عملية التشييد ، وتحقيق المساواة في توزيع الالتزام بأحكام هذا الضمان بتحميله لكل مسؤول متدخل في عملية التشييد ؟ 

منهج الدراسة :

إن طبيعة الموضوع المعالج في هذه الدراسة اقتضت الاعتماد على مجموعة من المناهج ، بدأنها بالمنهج الوصفي الذي يهتم بالحقائق العلمية و بصفتها كما هي ، ثم يمتد الى تفسيرها ، ثم المنهج التحليلي الذي يعتمد على عرض المشكلة و موقف الفقه و القضاء بشأنها مع المقارنة بالتشريع الفرنسي موضحا ما بينهما من أوجه اتفاق و اختلاف .

و في نهاية الدراسة استخدمت المنهج القيمي الذي يهدف إلى وضع الأشياء كما يجب أن تكون وفقا للتوجه الذي نرى بأنه الأصوب . و بناء على كل ما سبق، و طبقا لهذا المنهج الذي خططناه ، كي تتم الدراسة على أساسه ، وتسير على منواله ، ارتأينا معالجة هذا الموضوع في فصلين مستقلين طبقا للخطة الآتي بيانها :

الفصل الأول: النطاق الموضوعي للضمان العشري.
الفصل الثاني: النطاق الشخصي للضمان العشري.

تعليقات