مذكرة لنيل الماجستير بعنوان: دور الجماعات المحلية في التنمية المحلية المستدامة PDF
مقدمة :
عرفت نهاية القرن العشرين توسعا كبيرا لمفهوم العمل التنموي على الصعيد العالمي لاسيما بعد المشاكل التي أصبحت تعاني منها البيئة، كنقص المياه وتلوث المصادر البيئية، تلوث الجو وتغير المناخ، من جراء التطور الصناعي واستغلال الطاقة دون حرص، مما زاد في انتشار الغازات الضارة والسامة في الجو، ارتفاع درجة حرارة الأرض التي أصبحت مهددة بالغرق لو ذاب الغطاء الجليدي للقطب الشمالي . وجسد هذا في انتشار الفقر والمجاعات وانتشار البطالة والأمراض .
هنا انفجر سؤال شغل العالم أجمع حول مدى قدرة الأرض على التحمل ومدى استمرار الإنسان في تجاهله لما يقوم به لتدمير ذاتي لنفسه وللأجيال القادمة، وكان الجواب في" التنمية المستدامة " التي يرى الكثيرون أنها الحل.
أفرز هذا الإنشغال عن سعي الجميع وتعاونهم لوضع خطة عامة لتحقيق ما اتفقوا على تسميته بالتنمية المستدامة والتي ترادف مفهوم" المحافظة على البيئة والأمن البشري" حتى أصبحت قضايا الأمن
البشري والبيئة والتنمية المستدامة من بين أهم القضايا التي تشغل العالم، حيث أقيمت لها مؤتمرات وندوات وملتقيات علمية، ولم تقتصر هذه التجمعات فقط على الجهات الرسمية والحكومية بل تعدت إلى الكثير من المؤسسات والتنظيمات الحزبية والمهنية، ومختلف تنظيمات المجتمع المدني بمختلف نشاطاتها، إذ تساهم بعدة أنشطة اجتماعية واقتصادية وثقافية وايكولوجية عن طريق رسم خطط إصلاحية وتغييرية حاضرا ومستقبلا، لأنه أساس التنمية ولا يمكن تصور أية تنمية بدون مشاركة الجماعات المحلية التي تساهم بكل طاقاتها في تشغيل الإنسان من أجل خدمة الإنسان نفسه، ماديا ونفسيا.
بعدما كانت الدولة تعتمد على النظام المركزي في إدارة التنمية،أصبحت في الوقت الراهن غير قادرة على تحمل أعباء الأقاليم المحلية ، وذلك راجع إلى المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها دول العالم، والتي جعلتها تتبنى اللامركزية الإدارية، من أجل تخفيف العبء على المركزية الإدارية ، فقد حاولت الجزائر منذ عدة سنوات إرساء مبدأ اللامركزية الذي يعتبر أهم وسيلة لتحقيق التنمية المحلية، ويظهر ذلك من خلال موجات الإصلاح المتتالية في منظومة الجماعات المحلية ، خاصة مع مطلع التسعينات في كل المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، قصد توسيع مشاركة المواطنين في الحكم المحلي وتحقيق التنمية المحلية ، ومن أهم القوانين التي صدرت في إطار هذه الإصلاحات قانون البلدية ،القانون رقم 90/08 والقانون رقم 11/10 قانون الولاية رقم 90/09 والقانون رقم 12/07 ،وذلك لمواكبة التحولات الدولية وتأثيراتها على وظائف الدولة في الجزائر.
لذلك كرست الدولة الجزائرية مثل بقية دول العالم اللامركزية الإدارية ، في مختلف دساتيرها وقوانينها الوطنية ، حيث نجد في نص المادة 16 من الدستور الجزائري لسنة 1990 مايلي :" يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية."
إن البلدية و الولاية تعتبر الجماعة الإقليمية للدولة ويمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية و مكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية ، هذا البعد المزدوج للمجالس المنتخبة لكل من البلدية و الولاية مكرس بصراحة من خلال قانون البلدية رقم 11/10 المؤرخ في 22 جوان 2011 و قانون الولاية رقم 12 /07 المؤرخ في 21 فيفري 2012 بالإضافة إلى نصوص أخرى ذات طابع تشريعي و تنظيمي مما لا شك فيه أن الجماعات المحلية هي المحرك الأساسي للتنمية على مستوى إقليمها وذلك بصفتها الطرف الأكثر دراية بحاجيات وأولويات مواطنيها من جهة و بحكم الطابع التشاركي الذي يميز تسيير هذه الجماعات من خلال المجالس المحلية المنتخبة أو من خلال المجتمع المدني الذي ينقل احتياجاته إلى هذه المجالس.
إن التنمية المحلية باعتبارها إحدى مظاهر البعد السوسيولوجي لحركة التنمية الشاملة والمستدامة تقتضي دعم اللامركزية باعتبار أن الجماعات المحلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وعلى اعتبار أن الجماعات المحلية تمثل عصب التنمية المحلية فإن الجزائر ومنذ عدة سنوات حاولت إرساء مبدأ اللامركزية الذي يعتبر وسيلة مهمة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة و يتضح هذا من خلال الصلاحيات الواسعة التي أوكلت للجماعات المحلية في ظل الإصلاحات والتحول نحو إقتصاد السوق و ذلك في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، إن هذه المهام الكبيرة والحساسة تتطلب موارد مالية كبيرة وجب توفرها حتى تتمكن الجماعات المحلية من أداء مهامها على أحسن وجه، و من ثم إحداث التنمية و تلبية حاجات المجتمع المحلي فالموارد المالية للجماعات المحلية سواء كانت داخلية أو خارجية فإنها تشكل الرصيد الذي يمكنها من التحرك في مختلف الميادين المرتبطة بالتنمية المحلية، إذ أنه بزيادة مواردها المالية يكبر لديها حجم التدخل في ميادين التنمية و بانخفاضها يتقلص دور الجماعات المحلية في أداء و ظيفتها التنموية، والملاحظ أنه على الرغم من تنوع مصادر تمويل الجماعات المحلية إلا أنها مازالت تتخبط في أزمة مالية خانقة انعكست سلبا على جودة الخدمات المقدمة وجعلها في تبعية للدولة مما يؤثر على استقلاليتها، وهذا الوضع يعتبر عائق أمام المجالس المحلية التي لها صلاحية المبادرة وتقدير احتياجات المواطنين إلى جانب عوائق أخرى تقف حاجزا أمام عملية التنمية المحلية المستدامة سواء كانت سياسية إدارية اجتماعية اقتصادية...الخ ،يستوجب على الهيئات المحلية إيجاد حلول لهذه العوائق لدفع عجلة التنمية. إن قانون البلدية 11/10 والولاية 12/07 جاء في إطار الإصلاحات التي تشهدها المنظومة القانونية ضمن إستراتيجية التحول نحو اقتصاد السوق ما نتج عنه تحول في دور الإدارة المحلية في عملية التنمية حيث أصبح يتعين عليها إشراك المواطنين والمجتمع المدني وفتح المجال أمام القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار المحلي.
أهمية الدراسة:
تكتسب الدراسة أهميتها من أهمية الموضوع المعالج حيث:
- أن موضوع التنمية المستدامة يعتبر من المواضيع الرائدة في وقتنا الحالي سواءا من الجانب الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي...الخ.
- أن اشراك الجماعات المحلية في احداث التنمية المستدامة يقدم البديل الأكثر منطقية لاحتواء المشاكل التنموية.
- التنمية الوطنية و الشاملة تبدأ من الأسفل والتي يكون أساسها و منطلقها مجتمع محلي يشارك بفعالية في انجاز مشاريع ذات أولوية والجماعات المحلية تعتبر هي المؤطر الرئيسي لهذه المشاركة وهمزة الوصل بين السلطة المركزية و المواطن.
- أن نجاح كل جماعة في قيادة المسار التنموي على صعيدها المحلي تفضي بالضرورة الى تراكمات ايجابية تؤدي بالضرورة لبلوغ مستويات متقدمة من انجازات الاستراتيجية التنموية على الصعيد الوطني.
أهداف الدراسة:
إن الأهداف المبتغاة من موضوع الدراسة هي تسليط الضوء أساسا على مفهوم كلا من الجماعات المحلية والتنمية المستدامة و الوقوف على مدى صيرورة التنمية المستدامة والعوائق والصعوبات التي تواجهها والوقوف على العلاقة بين الجماعات المحلية وتطورها وبين دورها ومساهمتها في تحقيق التنمية المستدامة بمختلف أبعادها .
مبررات اختيار الموضوع:
المبررات الذاتیة: الاهتمام الشخصي بهذا الموضوع نتيجة عدة عوامل منها الرغبة في دخول مجال البحث حول موضوع الجماعات المحلية والتنمية المستدامة، و كون موضوع الجماعات المحلية من أهم مواضيع العلوم السياسية.
المبررات الموضوعیة:
ارتباط الموضوع بعمل الجماعات المحلية التي تكسب اهمية كبيرة في تسيير مختلف جوانب الحياة المحلية.
اثراء الدراسات المتعلقة بالجماعات المحلية والتنمية المستدامة.
محاولة فهم البعد المحلي (الاقليم المحلي ).
إشكالية البحث:
تعمل الجماعات المحلية في الجزائر على تحقيق التنمية المستدامة وتجعله هدفا من أهدافها على مستوى اقليمها المحلي وذلك من خلال الاليات المخولة لها بموجب القانون.
ومن هنا يمكن طرح الاشكالية التالية:
كیف یمكن ان تساهم الجماعات المحلیة في تحقیق التنمیة المستدامه في الجزائر ؟ وما السبل الفعالة لتطویر أدائها ؟
و تندرج تحت الإشكالية التساؤلات الفرعية التالية:
ما هو تعريف الجماعات المحلية ؟
وما هو مفهوم التنمية المستدامة ؟
ما مدى نجاعة الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المستدامة ؟ وما هي الوسائل الموضوعة تحت سلطتها ؟
ماهي العراقيل التي تواجه التنمية المستدامة ؟ و ماهي الحلول و الأفاق المقترحة ؟
منهج البحث:
للإجابة على إشكالية الموضوع اتبعت المنهج الوصفي التحليلي لجمع كافة المعلومات والبيانات الحقيقية المفصلة لموضوع الدراسة.
خطوات البحث:
لقد قسمنا موضوع البحث إلى فصلين للاجابة على الاشكالية والتساؤلات الفرعية حيث خصصنا الفصل الأول للإطار المفاهيمي للجماعات المحلية و التنمية المستدامة وتضمن هذا الفصل مبحثين تناول المبحث الأول التنظيم القانوني للجماعات المحلية أما المبحث الثاني فتناول ماهمية التنمية المستدامة.
أما الفصل الثاني فتناولنا فيه التنمية المستدامة كاختصاص للجماعات المحلية الذي قسم هو الأخر إلى مبحثين تناول المبحث الأول مجالات و وسائل تدخل الجماعات المحلية في التنمية المستدامة و تطرقنا في المبحث الثاني إلى عوائق و آفاق التنمية المستدامة .
تعليقات
إرسال تعليق