مذكرة الماجستير بعنوان: حماية براءة الإختراع في اتفاقية تريبس و آثارها على الصناعة الدوائية العربية PDF
مقـدمة:
تعد براءات الإختراع من أكثر أنواع حقوق الملكية الفكرية إثارة للجدل لارتباطها المباشر بحماية التكنولوجيا المتطورة التي تدخل في مختلف القطاعات، و على الرغم من أن براءات الإختراع كغيرها من الحقوق ،أنشئت بدعوى حماية الإبداع و نقل التكنولوجيا و نشر المعرفة، إلا أن هذه المزايا تصبح محل شك إذا ما تعلق الأمر بقطاعات حساسة تؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد، لاسيما بالنسبة لتوفير الدواء و حماية الصحة العامة.
و في الوقت الذي تتمسك الشركات الكبرى المصنعة للأدوية بحقها في حماية إحتكاراتها عن طريق الحصول على عوائد معتبرة لقاء الجهد المبذول في الإبتكار و تغطية نفقات البحث و التطوير، تشير الدول النامية إلى أن براءات الإختراع هي السبب المباشر في إرتفاع أسعار الأدوية المستوردة، و من ثم التأثير سلبا على مستوى الرعاية الصحية.
و قد أثيرت إشكالية العلاقة بين براءات الإختراع و الأدوية بشدة لأول مرة في مجلس إتفاقية حقوق الملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة" TRIPS" في جوان 2001 بطلب من مجموعة دول إفريقية وبدعم من عدد من الدول النامية بعد أن إستفحلت فيها الأمراض المستعصية و الأوبئة الفتاكة خصوصا وباء فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" الذي يشكل أكبر سبب للوفاة في الدول النامية، و كذلك داء السل و الملا ريا ،إذ تعذر عليها الإعتماد على وعود إتفاقيةتريبس لمواجهة تلك المشاكل الصحية.
و تشير دراسات أعدت في السنوات التسعينيات من القرن الماضي أن صناعة الأدوية في الدول العربية قد أنشئت على أسس تختلف مع ما تنص عليه إتفاقية تريبس فيما يتعلق بالبراءات و التراخيص حيث كانت تمنح الحماية للعمليات دون المنتج النهائي كما خصت براءات الأدوية بحماية لا تزيد في أغلب الحالات عن سبع سنوات مقابل عشرون عاما في الدول المتقدمة، كما كانت الدول النامية تضيق من نطاق تعريف الاختراع لتيسير التقليد و الاستخدام المبالغ فيه عادة في منح التراخيص الإجبارية لإنتاج الأدوية الجنيسة.
و بفضل هذه السياسة التشريعية تكونت شركات صناعية دوائية في الدول العربية أتيحت لها فرصة إنتاجأدوية جديدة دون أن تدفع إتاوات باهظة للشركات التي إبتكرتها، مما أدى إلى توفير كثير من الأدوية بأسعار معتدلة تتناسب مع مستويات الدخل في الدول الفقيرة.
لكن بدخول اتفاقية تريبس حيز التنفيذ أصبحت الدول العربية مجبرة على تغيير تشريعاتها الوطنية بما يتوافق والنظام القانوني الجديد الذي جاءت به هذه الاتفاقية لحماية براءات الاختراع مما ينذر بآثار جمة على الصناعات العربية عموما وعلى الصناعة الدوائية بالخصوص.
أهمية الموضوع:
إن أهمية البحث في تحديات الص نناعة الدوائية العربية في ظل النظام التجاري الجديد يكمن في العديد من النقاط ومنها:
1/ تبيان أهم القواعد الجديدة التي جاءت بها اتفاقية التريبس لحماية براءة الاختراع والتي لم يتم التطرق إليها في الاتفاقيات الدولية السنابقة لها في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية وتبيان كيف سنعت هذه الاتفاقية إلى إنفاذ أحكامها الجديدة في التشريعات الداخلية للدول في مجال براءة الاختراع خاصة.
2/ تعتبر الص نناعة الدوائية العربية من أكثر الص نناعات لوا في الهيكل الناتج الص نناعي العرق وأكثرها التص ناقا بالتنمية البش نرية من حيث توفير الدواء الض نروري بالس نعر المناس نب للمواطن العرق. لكن الص نناعات الدوائية تعتبر من أكبر القطاعات تأثرا باتفاقات منظمة التجارة العالمية وخص نوص نا فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية.
3/ الإنتقادات اللاذعة التي وجهتها وكالات الإغاثة العالمية لشنركات الأدوية العالمية باتهامها بالبحث عن الربح بالدرجة الأولى وتجاهل الأمراض الش نائعة في دول العالم الفقيرة .س نعيا منها لرفع قيود براءة الاختراع عن أدوية تستعمل في علاج أمراض خطيرة في البلدان النامية مثل الايدز الملا ريا وغيرها.
4/ البحث فيما يمكن للدول العربية التعايش مع مقتض نيات النظام التجاري الجديد، من خلال إ اد لياتللحد من الآثار الس نلبية لهذا الأخير خاص نة في المجال الدوائي ، من اجل الرقي بالص نناعة الدوائية العربية إلى مصاف التقدم الذي وصلت إليه الدول المتقدمة في هذا المجال.
5/ تس نليع الض نوء على مقومات التكامل الاقتص نادي الدوائي العرق ك لية لتخفيف الآثار الس نلبية لامتداد براءات الاختراع إلى المجال الدوائي ، وت وفير الدواء للمواطن العرق ضعيف الدخل بأقل الأسعار.
أسباب إختيار الموضوع :
إن اختياري لهذا الموضوع يعود إلى الأسباب التالية:
1/ اهتمامي بمجال الملكية الفكرية لاسنيما الصنناعية منها ، بالإضنافة إلى حقوق الإنسنان كالحق في الصنحة مثلا.
2/ الرغبة في تبيان تداعيات إنفاذ قواعد اتفاقية تريبس على الص نناعات بالدول العربية خاص نة مع امتداد براءة الاختراع إلى المجال الدوائي ، والتركيز على الآثار الس نلبية التي ا رت على تطبيق هذه الاتفاقية على الص نناعة الدوائية بهذه الدول.
3/ الرغبة في تسليع الضوء على تحديات الصناعة الدوائية العربية في ظل احتكار شبه كلي من قبل الشركات الأجنبية على معظم البراءات في المجال الدوائي.
4/ الرغبة في البحث عن بعض الثغرات الموجودة في إتفاقية تريبس التي يمكن للدول العربية إس نتغلالها لخدمة مصنالحها من خلال توفير الدواء وقت الحاجة للمواطن العرق الضنعيف الدخل ، وللنهوض بالمنظومة الصنحية داخليا بتوفير الحد الأدنى للرعاية الصنحية للمرضنى ، في ظل الارتفاع الكبير الذي شنهدته أسنعار الأدوية بعددخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ.
الدراسـات السابـقة:
على حد علمي فإنه ليس هناك دراسنات سنابقة تناولت موضنوع تأثر الصنناعة الدوائية العربية بأحكام إتفاقية تريبس فيما يتعلق ببراءة الإختراع ، فيما عدا بعض المقالات التي لم تتعاط مع هذا الموض نوع بنوع من التفص نيل والتمحيص.
أهـداف البـحـث:
من بين أهم أهداف هاته الدراسة ما يلي :
1/ يعتبر الحق في الصحة من بين أهم حقوق الإنسان لذا فقد تم تجسيده في العديد في معاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية ، وفي كثير من التشريعات الوطنية فهو حق شمولي لا يتضمن الرعاية الصحية الملائمة فحسب ،بل كذلك العوامل الأساسية المحددة مثل الحصول على الماء والمرافق الصحية والإسكان اللائق والتغذية، فضلا عن العوامل المحددة الاجتماعية والاقتصادية ،وبالرغم من التقدم المحرز في السنوات الأخيرة فإنه لا تزال توجد مواطن إجحاف كبير في الحصول على الخدمات الصحية وعلى الأدوية في جميع أنحاء العالم، فأمراض الفقر )الأمراض العدية/أمراض الأموية/الأمراض المرتبطة بالتغذية(، لا تزال تمثل 50% من الأمراض المنتشرة في البلدان النامية، هذه النسبة أعلى بما يقارب 10 أمثال النسبة في البلدان المتقدمة، وقد تزايدت الإصابات بالسل والملاريا في العقد الماضي، إذ أن نسبة 58% من حالات الإصابة بالملاريا تحدث وسع أفقر 20% من سكان العالم ، هذا في ظل إحتكار الشركات الكبرى لمعظم براءات الإختراع في المجال الدوائي .
2/ التأثير السلبي لقوانين حماية حقوق الملكية الفكرية في مقدرة الناس للحصول على الأدوية إذ أن الأبحاث التيأجريت تؤكد أنه لا يوجد أي دليل على أن تطبيق اتفاقية التربيس ، سيحدث طفرة في مجال البحث والتطوير في مجال الصيدلانية، وان العامل الحاسم في المسألة هو الحوافز السوقية ، فهم الشركات الأجنبية المستثمرة في المجال الدوائي تحقيق أكبر قدر من الأرباح دون مراعاة للأحوال الصحية للشعوب الفقيرة رغم إن هذه الأخيرة تعد من بين أهم حقوق الإنسان الأساسية والعالمية .
3/ ازدياد دعوات أنصار الرأي المعارض لحماية الصناعة الدوائية عن طريق براءة الاختراع ، حيث يرى هذا الفريق أن حماية الصناعة الدوائية عن طريق براءة الاختراع سيؤدي دون شك إلى زيادة الهوة بين دول الشمال والجنوب من حيث التكنولوجيا والرعاية الصحية ما يهدد الدول النامية بتفشي الأمراض والأوبئة الفتاكة وهو ما يعد خرقا لحق من حقوق الإنسان وهو الحق في الصحة، ويؤكد أنصار هذا الرأي نظرتهم بالواقع العملي والدراسات التي أجريت بهذا الخصوص.
4/ الوقوف أمام أهم الإ ابيات التي تتميز بها الص نناعة الدوائية العربية ، مع الإش نارة إلى المعوقات التي تحول دون وصولها إلى ما وصلت اليه نظيرتها الأجنبية في المجال الدوائي من تطور كبير .
5/ تنامي ظاهرة التحالفات الإستراتيجية في مجال صناعة الدواء للشركات الأجنبية منذ منتصف الثمانينات إلى يومنا هذا، والتي ينشنأ أغلبها في مجالات بحثية تطويرية، كما ينشنأ البعض الآخر في مجالات الترويج و التسنويق ،و قد تكون هذه التحالفات دائمة أو مؤقتة، وقد زاد الاعتماد على التحالفات الإستراتيجية في إدارة الصناعات الدوائية إلى حد أنه ص نار من الممكن أن يكون لش نركة واحدة عش نرات التحالفات (مختلفة الغرض) في وقت واحد ، في ظل إنعدام شبه كلي لتحالف شركات عربية في المجال الدوائي.
6/ إبراز جوانب المرونة الموجودة في اتفاقية التريبس ، والتي يمكن للدول النامية استغلالها لبناء منظومة صحية داخلية قوية ومستقلة ، تعمل على توفير الدواء لمواطنيها بأقل الأسعار الممكنة خاصة إذا تعلق الأمر بالأمراض الفتاكة المعروفة عالميا.
7/ تقييم ما جاء به إعلان الدوحة لسنة 2001 ،من قرارات لفائدة الدول العربية خدمة للصحة العامة في ظلتأثيرات النظام التجاري العالمي الجديد على اقتصاديات الدول العربية.
إشـكاليـة البـحث:
- يمكن لنا طرح الإشكالية التالية:
ما أثر حماية براءة الإختراع في إتفاقية تريبس على الصناعة الدوائية العربية ؟
وعليه تتفرع عن هذه الإشكالية التساؤلات التالية:
1/ ما هي القواعد والأحكام الجديدة التي جاءت بها اتفاقية تريبس لحماية براءة الإختراع ؟
2/ ما تأثير إتفاقية تريبس على الصناعة الدوائية العربية ؟
3/ هل يمكن للدول العربية السير في ركب النظام الإقتصادي الجديد في المجال الدوائي ؟
المنهج المتبـع:
نحاول في هذه الدراس نة أن نتبع منهجين إثنين : المنهج الوص نفي الاس نتنتاجي ، فالأول يظهر عند تحليلنا ودراس نتنا ومناقش نتنا لبعض أحكام إتفاقية تريبس وما جاءت فيما يتعلق ببراءة الإختراع واس نتنتاجنا في الثاني لتأثيراتها السلبية على الصناعة الدوائية العربية .
---------------------------
1/ إبراهيم العيسـوي: الغات وأخواتها، مركز دراسـات الوحدة العربية، الطبعة الثالثة، بيروت، لبنان ،2001
2/ احمد يوسف احمد : التعاون الاقتصادي المستقبلي وأفاق المستقبل ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ، لبنان، 2001 .
3/ ادوين مانس ـفيلد : الاقتص ـاد التطبيقي في إدارة الأعمال، ترجمة جورج فهمي رزق، المكتبة الأكاديمية ، القاهرة،مصر.
4/ الس ـيـد احمـد عبـد الخـالق : حمـايـة حقوق الملكيـة الفكريـة في ظـل اتفـاقيـة التريبس والتش ـريعـات الاقتصادية،الطبعة الاولى ، دار الفكر والقانون،الإسكندرية،مصر،2011 .
5/ بيها جيراثلال داس : اتفاقيات منظمة التجارة العالمية " المثالب والاختلالات والتغييرات اللازمة "، دار المريخ، الرياض، المملكة العربية السعودية ،2005 .
6/ جلال أحمد خليل : النظام القانوني لحماية الاختراعات ونقل التكنولوجيا إلى الدول النامية، مطبوعات جامعة الكويت، الطبعة الأولى ،1989 .
7/ جلال وفاء محمدين: الحماية القانونية للملكية الص ـناعية وفقا لاتفاقية الجوانب المتص ـلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ) تريبس (، دار الجامعية الجديدة للنشر، مصر، 2000 .
8/ حس ـام الدين عبد الغنّ الص ـغير: أس ـس ومبادئ اتفاقية الجوانب المتص ـلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية " اتفاقية تريبس "، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة ،1999 .
9/ حسـام الدين عبد الغنّ الصـغير: حماية المعلومات غير المفصـح عنها والتحديات التي تواجه الصـناعات الدوائية في الدول النامية، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، مصر ،2005 .
تعليقات
إرسال تعليق