مذكرة الماجستير بعنوان: استغلال حقوق الملكية الصناعية في ظل حرية المنافسة PDF
مقدمة :
أولا: التعريف بأهمية الموضوع:
أصبحت الملكية الصناعية والتجارية تكتسي أهمية بالغة في هذا العصر إلى درجة أنها تعتبر مقياسا للتطور الاقتصادي، لأنه بقدر ما يتم تسجيله من براءات اختراع، ومن رسوم ونماذج وعلامات في دولة ما بقدر ما يعد ذلك مؤشرا على مستوى التطور الاقتصادي الذي بلغته هذه الدولة، كما تعتبر مقياسا للتطور الحضاري لأنه بقدر ما تنتشر في مجتمع ما ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية بقدر ما يعتبر المجتمع مجتمعا مدنيا متحضرا.وترجع الأهمية التي تكتسيها الملكية الفكرية خصوصا في عصرنا الحاضر إلى التطور الكبير الذي شهده العالم في ميدان التكنولوجيا، والذي جعل من الإبداع الفكري قوة اقتصادية مولدة للثروة.
والواقع فإن هذه الحقوق أصبحت إحدى أدوات التنمية وجزءا أساسيا من السياسة الاقتصادية للدول، كما أضحت من أبرز مميزات هذا العصر ومعيار التقدم فيه لتحديد مدى أهلية الدول في الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية وإبرام العقود الدولية، كما أن التفاوت في امتلاك هذه الحقوق بين الدول يترتب عليه تباين شديد في درجة الإنتاج وجودته ومستوى الدخل القومي وكذلك مستوى معيشة الفرد.
ولعل أهمية حقوق الملكية الفكرية عموما والصناعية منها على وجه الخصوص من الناحية الاقتصادية هي التي جعلتها أحد المحاور الأساسية التي شغلت المجتمع الدولي أثناء إرسائه لأسس النظام الاقتصادي العالمي الجديد، مما جعل من احترام هذه الحقوق أحد الشروط الأساسية التي يجب على كل دولة أن تستوفيها من اجل الدخول إلى الاقتصاد عبر بوابة المنظمة العالمية للتجارة التي يرجع إليها الفضل في وضع إطار عام لحقوق الملكية الفكرية من خلال اتفاقية دولية ألحقت باتفاقية إنشاء هذه المنظمة، وهي اتفاقيةجوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة المعروفة اختصارا باتفاقية التربس، والتي تم من خلالها منح أصحاب الملكية الفكرية وخصوصا الصناعية منها حقوقا استئثارية تمكنهم من استغلال اختراعاتهم في حماية القانون، مما يكسبهم مقدرة تنافسية ويشجعهم على الإبداع والابتكار.
إن عصرنا الحاضر يرتكز إلى حد بعيد على الإبداع والابتكار، وتتعرض القطاعات الاقتصادية والصناعية إلى مخاطر كبيرة من اجل تطويرها للابتكارات، ومن اشد هذه المخاطر الاعتداء على حقوق الملكية الصناعية التي يبذل في إنجازها الكثير من الجهد والوقت ناهيك عن التكلفة الباهظة من ناحية الإنفاق والبحث العلمي، ومن أمثلة ذلك ما يتعرض له مالكو المعرفة التكنولوجية وأصحاب براءات الاختراع وأصحاب العلامات التجارية من تقليد وقرصنة، لذا كان من الضروري حماية أصحاب هذه الابتكارات من المنافسة غير المشروعة، كما أن أصحاب هذه الحقوق في حد ذاتهم وهم يمارسون حقوقهم الاستئثارية في استغلال الملكية الصناعية قد يقومون ببعض الممارسات التي تتنافى وقوانين الملكية الصناعية، والتشريعات المن ﹼظمة لحرية المنافسة.
ولعل التشريعات التي تنظم المنافسة وتمنع الاحتكار أصبحت علامة بارزة لأي نشاط اقتصادي ناجح ومتقدم يهدف إلى النمو والتطور، ويعود ذلك إلى أهمية منع ومكافحة عمليات المنافسة غير المشروعة وعمليات الاحتكار وأثر ذلك الإيجابي على التطور الاقتصادي، وهنا تكمن الأهمية الكبيرة للتشريعات التي تتناول المنافسة وتمنع الاحتكار كونها تهدف إلى تنظيم البنية التجارية ونشاطها وممارستها سعيا إلى الحد من تجار تتركز بيدهم السيطرة في السوق، كما تهدف إلى بث المنافسة بين التجار والمبدعين وتنميتها.
من خلال هذا كله، يتضح لنا بأن موضوعنا هذا المندرج تحت عنوان " استغلال حقوق الملكية الصناعية في ظل حرية المنافسة" ينطوي في نظرنا على أهمية بالغة، خصوصا في هذه المرحلة التي تعرف فيها الجزائر انفتاحا اقتصاديا وتحرير لتجارتهاالخارجية استعدادا منها للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة الذي أصبح حتمية لا مفر منها وليس خيارا استراتيجيا ،الأمر الذي جعل السلع المقلدة تغزوها، وهو ما أصبح يشكل خطرا على المستهلك من جهة، وعلى الاقتصاد الوطني من جهة أخرى.
ثانيا: أسباب اختيار الموضوع:
لعل أهمية الموضوع في حد ذاته هو أهم الأسباب التي دعتنا إلى اختياره، كما يمكننا أيضا ذكر بعض الأسباب الأخرى التي دعتنا إلى ذلك منها:- حداثة الموضوع، والدليل على ذلك النقاش الدائر حاليا في أروقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية حول إيجاد آليات للتوفيق بين سياسات الملكية الفكرية وسياسات المنافسة.
- الأهمية القانونية لموضوع استغلال حقوق الملكية الصناعية، والدور الهام الذي يلعبه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
- محاولة معرفة كيفية تجسيد حق استغلال الملكية الصناعية على أرض الواقع، ومعرفة مدى تفاعله مع باقي فروع القانون الأخرى.
- إثراء الساحة القانونية بموضوع جديد نوعا ما، وذلك من أجل فسح المجال لمحاولات أخرى أكثر بحثا وتعمقا.
ثالثا: صعوبات إعداد البحث:
من بين أهم الصعوبات التي واجهتنا خلال إعداد هذه الدراسة نذكر على وجه الخصوص:- قلة الدراسات والأبحاث في هذا الموضوع ،إذ لا ننكر وفرة المراجع المتعلقة بالملكية الصناعية من جهة، وتلك المتعلقة بالمنافسة من جهة أخرى، لكننا بالكاد نجد دراسة واحدة تجمع بين الاثنين باعتبار أن مثل هذه الأبحاث تجمع بين أكثر من فرع واحد من فروعالقانون، ومنه بقيت هذه الصعوبات متصلة بالكثير من جوانب هذا الموضوع
- تشعب الموضوع وحاجته إلى الكثير من النصوص القانونية ذات الصلة، فبالإضافة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بالملكية الصناعية بجميع عناصرها على اعتبار أن هذه الدراسة لم تقتصر على حق واحد من حقوق الملكية الصناعية فقط كبراءة الاختراع، أو العلامة التجارية بل تناولتها جميعها ، فقد احتاجت الدراسة إلى فروع القانون الأخرى كالقانون المدني والقانون التجاري وقانون العقوبات وقوانين الإجراءات (المدنية والإدارية، والجزائية)، وقانون الجمارك، والقانون المطبق على الممارسات التجارية، وقانون حماية المستهلك ، وقانون المنافسة.
رابعا: الدراسات السابقة:
من بين الدراسات التي تناولت موضوع استغلال حقوق الملكية الصناعية وربطه بمبدأ حرية المنافسة والتي اعتمد البحث على بعض ما ورد فيها يمكننا أن نذكر منها:- أطروحة دكتوراه من إعداد الطالبة الباحث" بوقميجة نجيبة " والتي تناولت موضوع "المنافسة غير المشروعة في ميدان الملكية الفكرية " والتي نوقشت في سنة 2014 بكلية الحقوق بجامعة الجزائر، وقد عالجت الموضوع في شقه المتمثل في حالة تعرض أصحاب حقوق الملكية الصناعية للمنافسة غير المشروعة، ولكنها لم تتناول بشكل مفصل حالة تعسفهم في استعمال حقهم الاستئثاري في الاستغلال.
- بعض المداخلات التي تم عرضها أثناء إقامة الملتقى الوطني حول" الملكية الفكرية بين مقتضيات العولمة وتحديات التنمية " من تنظيم كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة ميرة عبد الرحمان ببجاية يومي 28 و 29 أفريل 2013، ونذكر منها على وجه الخصوص المداخلات التالية:
مداخلة الباحث: دفاس عدنان، تحت عنوان: الرخص التعاقدية في مجال الملكية الفكريةفي مواجهة قانون المنافسة.
مداخلة الباحثة: إرزيل الكاهنة، تحت عنوان: استخدام حقوق الملكية الفكرية كآلية لتنشيط السوق.
مداخلة الباحث: بن حملة سامي، تحت عنوان: قيود الملكية الفكرية في مجال المنافسة ،حالة الترخيص لعمليات التركيز الاقتصادي.
- بالإضافة إلى هذه المراجع، فقد اعتمدت الدراسة على بعض المرجع باللغة الأجنبية والتي استقينا منها بعض الأمثلة الواقعية مدعمة بمقررات مجلس المنافسة الفرنسي في بعض الأحيان، والأحكام القضائية الصادرة بشأنها في أحيان أخرى.
خامسا: حدود البحث:
لقد اقتصر بحثنا لموضوع استغلال حقوق الملكية الصناعية في ظل حرية المنافسة على ما جاء به التشريع الجزائري ، وإن كانت هذا البحث قد أشار في بعض الأحيان إلى ما جاءت به التشريعات المقارنة وذلك بغية إثراء الموضوع من جهة ،والاستفادة بما جاءت به هذه التشريعات من نقاط إيجابية قد يستفيد منها المشرع الجزائري لاحقا.كما استبعد البحث من نطاق الدراسة، الاسم التجاري والبيان التجاري، فعلى الرغم من أنهما يعتبران من عناصر الملكية الصناعية والتجارية، إلا أننا استبعدناهما كونهما أقرب إلى الملكية التجارية منها إلى الملكية الصناعية.
سادسا: إشكالية البحث:
لمعالجة هذا الموضوع من كل جوانبه، رأينا طرح المشكلة التالية: كيف يتم استغلال حقوق الملكية الصناعية في ظل حرية المنافسة؟وقد كان علينا طرح عدة أسئلة فرعية تسمح لنا فيما بعد من الإجابة على المشكلةالرئيسية، وتتمثل هذه الأسئلة فيما يلي:
في ظل حرية المنافسة:
- هل الطبيعة القانونية لحقوق الملكية الصناعية تجعل من حق الاستغلال حقا مطلقا أم تجعله حقا مقيدا بشروط ؟ .
- ما هي الوسائل المشروعة لاستغلال حقوق الملكية الصناعية؟
- ما هي آليات حماية هذا الاستغلال من المنافسة غير المشروعة؟
ومن منطلق أن "من يملك السلطة يمكنه أن يتعسف في استعمالها":
- هل يمكن لمالك الحق في استغلال حقوق الملكية الصناعية من التعسف في استعمال هذا الحق ؟
- ما هي مظاهر هذا التعسف؟
- وما هي آليات وسائل مجابهته والحد من آثاره؟
سابعا: منهج البحث:
لمحاولة الإحاطة بهذا الموضوع من جوانبه، فقد اعتمدنا على المنهج الوصفي، مع الاستعانة أحيانا بالمنهج التحليلي والمنهج المقارن كلما اقتضت الضرورة ذلك، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بتحليل النصوص القانونية.ثامنا: خطة البحث:
للإجابة على التساؤلات المطروحة في إشكالية البحث، سوف نتناول بحث هذا الموضوع ضمن خطة علمية تستهدف الإلمام بموضوعاته عن طريق تقسيمه إلى مبحث تمهيدي وفصلين تليهما خاتمة، وذلك على التفصيل الآتي:سوف نتناول في المبحث التمهيدي الإطار المفاهيمي للدراسة من خلال التطرق إلىالعلاقة الموجودة بين حقوق الملكية الصناعية والمنافسة، لهذا الغرض قمنا بتقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، تطرقنا في المطلب الأول إلى التعريف بحقوق الملكية الصناعية، ثم التعريف بمبدأ حرية المنافسة والقيود الواردة عليه في المطلب الثاني،ومحاولة معرفة طبيعة العلاقة الموجودة بين حقوق الملكية الصناعية والمنافسة في المطلب الثالث.
أما الفصل الأول، فسوف نتناول فيه كيفية حماية الحق في استغلال الملكية الصناعية من المنافسة غير المشروعة، وذلك من خلال التطرق إلى مضمون الحق في استغلال الملكية الصناعية وإلى طرق ووسائل هذا الاستغلال في المبحث الأول، لنتناول في المبحث الثاني التعريف بالمنافسة غير المشروعة ثم التطرق إلى الشروط اللازمة لاكتساب الحق في استغلال الملكية الصناعية وهي ذاتها الشروط اللازمة للحماية القانونية لهذا الحق من كل أشكال المنافسة غير المشروعة، لنتطرق في العنصر الموالي إلى آليات ووسائل هذه الحماية.
أما الفصل الثاني، فسوف نتطرق فيه إلى حماية المنافسة من الممارسات التعسفية التي يمكن أن يقوم بها صاحب الحق الإستئثاري في استغلال الملكية الصناعية في السوق ، ومن هذا المنطلق خصصنا المبحث الأول لتحديد أشكال ومظاهر هذه الممارسات والتي تتمثل في امتناع صاحب الملكية الصناعية من ممارسة حقه في الاستغلال أو رفضه الترخيص للغير بهذا الاستغلال، أو من خلال الشروط التعسفية التي يفرضها على من يطلب الترخيص بالاستغلال، أو من خلال السلوكيات والممارسات الأخرى التي يقوم بها والتي تقع تحت حظر قانون المنافسة، أما المبحث الثاني فخصصناه للتطرق إلى آليات ووسائل وقف هذا التعسف بداية بالحماية المؤسساتية التي يمثلها مجلس المنافسة الذي يعتبر الهيئة الإدارية المكلفة بحماية وتطوير المنافسة وكذلك ضبط السوق، ثم الحماية الإجرائية المتمثلة في إصدار التراخيص الإجبارية في بداية الأمر، وصولا إلى إصدارقرار إسقاط حق الملكية الصناعية في الملك العام إذا لم تكف الإجراءات السابقة.
أما الخاتمة، فقد تضمنت مختلف النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذه الدراسة، مع تقديم بعض التوصيات التي يراها البحث مفيدة من الناحية العملية، و من الناحية التشريعية أيضا.
---------------------------
قائمة المراجع :
*الاتفاقيات الدولية:
1. اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ( تربس)، المؤرخة في15 ابريل1994.
2. اتفاقية باريس المتعلقة بحماية الملكية الصناعية المؤرخة في20 مارس 1883.
3. اتفاقية لشبونة المتعلقة بحماية تسميات المنشأ الأصلية والتسجيل الدولي لها ،المؤرخة في 31 أكتوبر1958.
4. اتفاقية واشنطن للدوائر المتكاملة ، المؤرخة في 26 ماي1989.
*النصوص التشريعية:
5. الأمر رقم 03-03 المؤرخ في 16 جويلية2003م، المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم ،(ج ر عدد رقم 43 بتاريخ 20 يوليو 2003)
6. الأمر رقم 03-07 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق ببراءة الاختراع.( ج ر عدد 44 بتاريخ 23 يوليو 2003 )
7. الأمر رقم 03-08 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحماية التصاميم الشكلية. ( ج ر ، عدد 44 بتاريخ 23 يوليو 2003)
8. الأمر رقم 08-12 المؤرخ في 16 يوليو 2008م، المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم ،(ج ر، عدد36 بتاريخ 02 يوليو2008.
9. الأمر رقم 63-248 المؤرخ في 10 يوليو 1963م، المتعلق بإنشاء المكتب الوطني للملكية لصناعية ،(ج ر، عدد رقم49، الصادر في 19 يوليو 1963).
10.الأمر رقم 66- 156 ا لمؤرخ 8 يونيو 1966م يتضمن قانون العقوبات ،المعدل والمتمم ،(ج ر عدد 49 بتاريخ 11يوليو 1966).
تعليقات
إرسال تعليق