مذكرة الماجستير بعنوان: دور آليات العدالة الإنتقالية في تجاوز انتهاكات حقوق الإنسان - الحق في معرفة الحقيقة PDF
مقدمة :
اقترنت النزاعات المسلحة بتاريخ البشرية منذ فجر وجودها ،فلم تخلوا قبيلة ولا بلد ولا أمة من تلك النزاعات، منها ما كان قصير المدى ومنها ما كان طويلا، منها ما شمل رقعة جغرافية محدودة ،ومنها ما عم أجزاء واسعة جدا، ولم يخلوا أي نزاع مسلح - عرفته البشرية. من اثار وخيمة على الإنسان، وعلى ممتلكاته وعلى العلاقات مع أخيه الإنسأن .
كما عرفت البشرية تجارب عديدة لتجاوز اثار النزاعات وطى تلك الصفحة ومحاولة الوصول إلى مرحلة أفضل، وضمان عدم تكرار تلك المأساة من جديد.
سميت هذه التجارب بأسماء مختلفة، كالصلح والمصالحة ،وعرفت هذه التجارب تطورات عبر التاريخ إلى أن أطلق عليها اسم العدالة الانتقالية، وهذه الأخيرة هي التي أصبحت متداولة على الساحة القانونية لتعبر عن تلك الخطوات والاليات التي يضعها المجتمع والقائمين على مرحلة ما بعد النزاع المسلح، من أجل تجاوز تلك الاثار التي خلفتها المرحلة السابقة ، وعلى رأس تلك الاليات الحق في معرفة الحقيقة .
وكانت هذه التجارب أول ما تقوم به من أجل معالجة وتجاوز الاثار الجسيمة التي خلفتها المرحلة السابقة، هو البدء في محاولة فهم حقيقة ما حدث في تلك المرحلة ،لأنه يعتبر المفتاح للوصول إلى العلاج الأمثل والأفضل لجميع الاثار الجسيمة على حقوق الإنسان ، لذا حرصت جميع البلدان التي وضعت آليات للعدالة الانتقالية على تضمينها لهذه الالية بضماناتها والياتها .
فدفن الحقيقة حول ما جرى من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تساهم بشكل من الأشكال في تكرار المأساة من جديد، لأنه يتولد لدى الضحية إحساس بالظلم بانتهاك حقه وحق الأمة، وتزييف الذاكرة الجماعية وتحريفها ومحاولة كتابة الماضي حسب أهواء المنتصر في الحاضر لفرض أجندته في المستقبل، فمعرفة الحقيقة إذن تعتبر أهم الخطوات الجادة وأهم الية من اليات العدالة الانتقالية للمرور إلى بر الأمان والوصول إلى بلد تسوده قيم العدالة والشورى وحقوق الإنسان .
وقد أقامت دول ما بعد الصراع، والتي عرفت تجارب عدالة انتقالية حقيقية بتوفير مجموعة من الضمانات القانونية ،والسياسية من أجل تقييد سلطان الدولة في علاقتها مع المواطنين ،ومن أجل احترام الالتزامات التي قطعتها الدولة على نفسها اتجاه المجتمع الدولي،وتمثل هذه الضمانات أسس شرعية النظام ودولة القانون في هذه المرحلة ،وذلك من أجل إعطاء الضحايا فرصة للمطالبة بحقوقهم ، كما أنها أوجدت مجموعة من الاليات والوسائل من أجل تنفيذ مثل هذه الضمانات ، وتتمثل تلك الاليات في المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي ، وذلك لرصد جميع التجاوزات والانتهاكات التي تقوم بها الدولة في مجال حقوق الإنسان .
أهمية الموضوع :
أولا: الأهمية العلمية
- تزايد عدد النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ،وما يحصل خلالها من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ،فواجب معرفة الحقيقة تعتبر خطوة مهمة لتجاوز آثار تلك الانتهاكات، فلا يمكن طي تلك الصفحة دون التحقيق في أسباب هذه الانتهاكات ،ومعرفة الظروف التي وجرت فيها،ودور جميع الأطراف فيها.
- يعتبر الحق في معرفة الحقيقة خطوة مهمة للمضي نحو الخطوات القادمة للعدالة الانتقالية كرد الحقوق ،والتعويض على المستوى الفردي أو الجماعي ،وإعادة التأهيل والترضية، فلا يمكن القيام بهذه الخطوات دون معرفة الحقيقة، حول من يحق له التعويض ولمن نرد الحقوق ومن نؤهل ونرضي ؟
- الحق في معرفة الحقيقة إحياء للذاكرة الجماعية للأمة، ومنع لتحريف التاريخ وتزييفه أو كتابته حسب أهواء المنتصر، وإنصاف للضحايا ولو بشيء معنوي، فلا يمكن للضحية أن يدفع الثمن مرتين، مرة أثناء النزاع المسلح بالاعتداء على حقه، ومرة بعد انتهائه بطمس الحقيقة ومحاولة تناسيها، فلا يمكن للحقيقة أن تدفن مع الضحية، فعدم معرفة الحقيقة هي مواصلة لسلسلة الانتهاكات الجسيمة للحقوق الإنسان بشكل اخر هذه المرة ليست أثناء النزاع المسلح بل أثناء حالة السلم.
- معرفة الحقيقة مرحلة من أهم مراحل العدالة الانتقالية، فلا يمكن في أي حالة من الأحوال تجاوزها أو القفز عليها، لأن العدالة الانتقالية سلسلة مترابطة من الاليات لا يمكن فكها عن بعضها البعض.
ثانيا : الاهمية العملية
معرفة الحقيقة هي عبرة للأجيال التي شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وللأجيال التي لم تشهدها، وذلك باستخلاص الدروس وأخذ العبرة وذلك لتفادي أسباب الانتهاكات وحسن معالجة اثارها إن وقعت ، ولذلك فإن معظم البلدان التي شهدت نزاعات مسلحة ، والتي لها إرادة سياسية لتجاوز أثارها قبل أن تضع برامج معالجة تلك الاثار فهي تنظر في تجارب العدالة الانتقالية للأمم الأخرى ، تنظر في ايجابياتها وسلبياتها ، وتأخذ ما يناسب الوضع القائم لديها ويتلاءم مع ثقافتها.
أسباب اختيار الموضوع :
أولا: أسباب موضوعية:
- طالما عالج فقهاء القانون موضوعات تتعلق بحقوق الإنسان في زمن السلم ،والتي يحكمها القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبحثوا للتوفيق بين الضرورة العسكرية والإنسانية في زمن النزاع المسلح ، لكنهم قلت أبحاثهم عن كيفية معالجة اثار الانتهاكات ودور معرفة الحقيقة والكشف عنها في تجاوز تلك الاثار، فهذه الفترة فترة كانت نتيجة النزاع المسلح ووفها وقت السلم ، فمعاناة الإنسان في هذه الفترة لا تقل عن معاناته أثناء النزاع المسلح .
- تزايد اهتمامات المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بموضوع العدالة الانتقالية، ودور معرفة الحقيقة والكشف عنها في تجاوز اثار النزاعات المسلحة، ومحاولة وضع معايير دولية تعالج أوضاع دول ما بعد الصراع وأدوات سيادة القانون لهذه الدول.
- عرفت عدة بلدان خرجت من النزاعات المسلحة تجارب للعدالة الانتقالية، كانت لالية معرفة الحقيقة دورا مهما في طي تلك الصفحات المؤلمة.
الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية، والتي سميت "بالربيع العربي"، وما صاحبها من انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، والمعاناة التي حصلت لشعوب المنطقة، فكل هذا يحتاج إلى آليات العدالة الانتقالية، وعلى رأسها معرفة الحقيقة والكشف عنها
لطي تلك الصفحة.
- الحقيقة مبدأ من مبادئ الانتصاف من أجل إقامة العدل
ثانيا: أسباب ذاتية:
- إن أهم سبب كان من وراء هذا الموضوع هو البحث عن الحقيقة، لأن أسمى أماني المتهمين بارتكاب هذه الانتهاكات في حق الإنسان هو دفن الحقيقة ودفع الزمن نحو الأمام لنسيانها.
- إن الحقيقة والعدالة هي مطالب الضحايا في جميع البلدان التي عرفت انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، خاصة ضحايا الإختفاءات القسرية.
أهداف البحث:
- في أي بلد وقعت فيه مأساة إنسانية ،وخرج منها لابد من الحقيقة مهما كانت مرة، لأن إخفاء الحقيقة وعدم الكشف عنها هي إعطاء الفرصة لألوان من الشكوك والاستعمالات المغرضة للأحداث، وهى لعبة للمزايدات السياسية، فكشف الحقيقة ومعرفتها هي قطع لمثل هذه التأويلات وسفينة للنجاة من أسر الماضي المؤلم .
إن معالجة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان لا يتم عن طريق جبر الضرر المادي فقط، أو محاولة العفو الشامل عن جملة الانتهاكات التي وقعت- وإن كانت مهمة لطي صفحة المأساة- لكن لابد من البحث عن الحقيقة لمعرفتها ،والكشف عنها ثم يأتي دور العفو أو المقاضاة حسب ظروف كل بلد وطبيعة كل شعب .
إشكالية البحث:
ومن آليات العدالة الانتقالية المهمة في هذه المرحلة هي الحق في معرفة حقيقة الانتهاكات التي وقعت.
فإلى أي مدى يمكن للحق في معرفة الحقيقة أن تساهم في تجاوز أثار
انتهاكات حقوق الإنسان ؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية عدة تساؤلات فرعية:
- ما هي العدالة الانتقالية وما هي الياتها ؟
- ما هي الضمانات الأساسية الوطنية والعالمية للحق في معرفة الحقيقة ؟
- ما هى الاليات التي يمكن من خلالها تفعيل هذه الضمانات سواء على الصعيد الوطني أو العالمي؛
المنهج المتبع:
المنهج الاستقرائي: وهو منهج مساعد قمت من خلاله باستقراء بعض التجارب التي تمت في هذا الصدد.
المنهج التاريخي: وهو منهج مساعد أيضا وظيفته تتبع التطور التاريخي لمفهوم العدالة الانتقالية وآليتها الحق في معرفة الحقيقة، وما صاحب هذا التطور إلى أن وصل الأمر إلى ما هو عليه الان.
صعوبات الدراسة:
حدود الدراسة:
- أما عن الحدود المكانية فقد حاولت دراسة هذا الموضوع بالاعتماد على التجارب الوطنية والعالمية دون التطرق إلى التجارب الإقليمية وذلك لأسباب منها:
- حجم الدراسة وضيق الوقت .
- التجارب الإقليمية في هذا المجال في رأيي هي عبارة عن نقل للتجارب الوطنية، أو هى إتباع للقرارات والدراسات والاراء الفقهية على المستوى العالمي والصادرة عن هيئات ومؤسسات دولية، فهى حسب رأيي لا تضيف شيئا جديدا إلى الدراسة.
خطة الدراسة:
مبحث تمهيدي: حول العدالة الانتقالية ، وذلك باعتبار أن الحق فى معرفة الحقيقة الية من جملة اليات العدالة الانتقالية ، وقد تطرقت في هذا المبحث إلى ماهية العدالة الانتقالية من حيث مفهومها والتطور الذي حصل لها ، والأسس القانونية التي تبنى عليها العدالة الانتقالية ، ثم تطرقت في المطلب الثاني في هذا المبحث إلى مكونات هذا المفهوم وهي الحق في معرفة الحقيقة وجبر الضرر ، والمقاضاة أو المساءلة ، وضمانات عدم التكرار.
الفصل الأول: حول ضمانات إعمال الحق في معرفة الحقيقة ، وقد قسمت هذا الفصل إلى مبحثين أساسيين ، فالمبحث الأول يتطرق إلى ماهية الحق في معرفة الحقيقة ،وقد تطرقت فيه إلى أمور عدة ،كالمفهوم والخصائص وجوانب هذا الحق ، أما في المبحث الثاني فقد ذكرت أهم أسس هذا الحق سواء العالمية منه أو الوطنية ، السياسية والقانونية .
الفصل الثاني: حول اليات تفعيل الحق في معرفة الحقيقة ، وقد تناولته هو كذلك في مبحتين رئيسيين ، ففي المبحث الأول كان موضوعه حول الاليات المعتمدة على مستوى دول ما بعد النزاع المسلح من أجل تفعيل تلك الضمانات ، كلجان الحقيقة ، وبرامج حماية الشهود ولجان الحقيقة خارج الإطار الحكومي ، والإعلام ، والمنظمات غير الحكومية ، أما في المبحث الثاني فقد تطرقت فيه إلى الاليات العالمية من أجل الوصول إلى الحقيقة ،وقد تناولته في ثلاثة مطالب ، ففي المطلب الأول تناولت اليات الأمم المتحدة و ففي المطلب الثاني تطرقت فيه إلى اليات اللجان التعاهدية ، وكان موضوع المطلب الثالث مخصصا لاليات المنظمات غير الحكومية .
وختمت هذه الدراسة بمجموعة من النتائج والاقتراحات .
---------------------------
قائمة المراجع :
- أبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري، السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق الشيخ أحمد جاد، الجزء الثاني ،دار الغد الجديد ،القاهرة - المنصورة - الطبعة الأولى،7(200.
- أحمد عبد الله أبو العلا، تطور دور مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين - مجلس الأمن في عالم متغير - دار الجامع الجديدة، د، ب،2008.
- الجمهورية التونسية، وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في تونس، الحوار الوطنى حول العدالة الانتقالية في تونس، أكتوبر، .13()2
- الجمهورية التونسية، وزارة العدل وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، العدالة الانتقالية في تونس، المؤتمر الدولي حول تركيز هيئة الحقيقة والكرامة من أجل جيل جديد للجان الحقيقة- مجموع قوانين مقارنة للجان الحقيقة مع مقتطفات من أنظمة داخلية -ب، ت.
- العمل مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان - دليل للمنظمات غير الحكومية - د،ت ،رقم الو ثيقة:)/6/HR/PUB.
- اللجنة الدولية للحقوقيين، الحق في الإنصاف وجبر الضرر في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان- دليل الممارسين 2- جنيف، 2009.
- المركز الدولي للعدالة الانتقالية ، لجان تقصي الحقائق والمنظمات غير الحكومية: العلاقة الأساسية: مبادئ "فراتي" التوجيهية للمنظمات غير الحكومية العاملة مع لجان تقصي الحقائق ، مارس /آذار،20004.
- المجلس الدولي للأرشيف ، الوثائق الالكترونية ، مرشد الأرشيفيين ، المؤلفون
تعليقات
إرسال تعليق