مذكرة الماجستير بعنوان: التحديات الراهنة التي تواجهها اللجان التعاهدية لحقوق الإنسان PDF
أولا: موضوع الدراسة.
ارتبط إنشاء منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 باهتمام عالمي غير مسبوق بمسألة حقوق الانسان، حيث أعلن ميثاق المنظمة في مادته الأولى أن أحد مقاصده هو " تعزيز احترام حقوق الانسان و الحريات الأساسية للناس جميعا و التشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين"، دون أن يتفصل في هذه الحقوق التي تداركها فيما بعد الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر سنة 1948 مشكّلا بذلك مع العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، الذين اعتمدا سنة 1966 ما أصبح يعرف بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي أعقبها ابرام عديد الاتفاقيات الدولية الملزمة و غير الملزمة، و إنشاء شبكة من الآليات الدولية المتمثلة في الهيئات التابعة للأمم المتحدة على غرار الجمعية العامة و مجلس الأمن و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و اللجان الفرعية الأخرى التي تساعدها في مهمتها، و المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والمحاكم الدولية المعنية بمسألة قمع انتهاكات حقوق الإنسان، اضافة الى الآليات الاقليمية و المؤسسات الوطنية لتعزيز و حماية حقوق الانسان، و هذا كله بهدف مراقبة سلوك الدول في تنفيذ التزاماتها إزاء مسألة حقوق الإنسان التي لم تعد أمراً داخلياً يتوقف عند مجرد ادماجها في التشريعات الوطنية، وإنما أضحت مصلحة دولية تتجاوز السيادة الوطنية و تخضع للرقابة الدولية من أجلها ،خاصة مع اكتساب حقوق الانسان الطابع العالمي و ترابطها و عدم تجزئتها، نتيجة لتطور المركز القانوني للفرد في القانون الدولي العام.
و لمراقبة مدى تطبيق و إعمال الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات1 الدولية المعنية بحقوق الانسان تم إنشاء اللجان التعاهدية لحقوق الانسان2، و هي لجان اتفاقية رضائية غير قضائية لا تصدر عنها إدانة للدول الأطراف، و لا يشكل عملها سوى وسيلة ضغط على الدول للوفاء بالتزاماتها، و يدعمها في مهامها المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، أما اختصاصها فيتركز حول رصد التزامات الدول الأطراف لتنفيذ الحقوق.
التي تنص عليها الاتفاقية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستوى الوطني، فعندما يوافق بلد ما على التقيد بإحدى المعاهدات فهو يتحمل التزاما قانونيا بتقديم التقارير بشكل دوري تبين فيه بالتفصيل كيفية تطبيق أحكام المعاهدات محليا، كما يجوز للجان تلقي ودراسة الشكاوى المقدمة من قبل الأفراد الذين يدعون أن حقوقهم قد انتهكت من قبل إحدى الدول الأطراف، شريطة أن تكون هذه الدولة قد قبلت بهذا الإجراء، إضافة الى أنها تختص بإجراء زيارات قطرية في الدول المعنية حول مسائل معينة، واجراء البلاغات بين الدول.
لكن و مع الزيادة المضطردة في عدد الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان و كذا في أعداد الدول التي تصادق عليها، أصيب نظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان كله بالإرهاق نتيجة لمجموعة من الاسباب التي تعود بالأساس الى نجاح نظام اللجان التعاهدية نفسه و تحقيقه للتصديق العالمي على الاتفاقيات الأساسية لحقوق الانسان، و هو ما أفرز دخوله في أزمة نتيجة لبعض التحديات الراهنة المتمثلة في ارتفاع حالات عدم امتثال الدول لالتزامات تقديم التقارير خاصة مع تزايد عدد التصديقات على المعاهدات، و إنشاء لجان تعاهدية جديدة ،و ظهور الازدواجية في الالتزامات الدولية و الاقليمية نتيجة لغياب التنسيق بين هذه الآليات، كما أن اللجان نفسها تعاني من مشكلة التراكمات في فحص تقارير الدول الأطراف والشكاوى الفردية، اضف الى ذلك معاناة النظام من الضعف في الموارد المالية و البشرية التي أصبحت لا تواكب توسع حجم أعماله و مسؤولياته، و كذلك أعباء إنشاء لجان جديدة بمهام اضافية، و هناك أيضا مشكلة ارتفاع تكاليف وثائق اللجان و ضعف قدرات الدول الأطراف في إعداد التقارير الوطنية التي تتطلب قدرا كبيرا من الموارد و الخبرة، في ظل اتساع و تداخل الالتزامات بين اللجان نفسها و بين الآليات غير التعاهدية الأخرى، بسبب نقص التنسيق بشأن القضايا المشتركة من أجل تقديم مشورة موحدة فيما يتعلق بإرشاد الدول لتنفيذ المعاهدات، و جميع هذه التحديات ليست بالجديدة، كما لم تتغير من أن تم تحديدها لأول مرة في تقرير الخبير المستقل1 سنة 1989 الذي تلته مبادرات عديدة بمقترحات تدريجية و جذرية تستهدف تحسين أساليب العمل لمواجهة التحديات و اصلاح نظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان .
ثانيا : أهمية الموضوع.
تكمن أهمية موضوع هذا البحث، الذي يندرج في إطار آليات الحماية الدولية لحقوق الانسان، في أن التحدّيات التي يواجهها نظام اللجان التعاهدية لحقوق الإنسان تهدّد بضرب النظام كله في الصميم خاصة أنه يعتبر مستقبل حقوق الانسان في النظام الدولي، و أن أسبابها ترجع الى نجاح النظام نفسه و تحقيق أهداف التصديق العالمي على اتفاقيات حقوق الانسان، كما أن هذا النظام يتميز بمفارقة غريبة هي أن استمراره في العمل قائم بشكل رئيسي على عدم الامتثال الكلي للدول الاطراف لالتزاماتها بتقديم التقارير و قبول الالتزامات، لأن أي امتثال كلي مفترض من الدول بتقديم التقارير و قبول الشكاوي سيعرض النظام كله للانهيار بسبب النقص الحالي في وقت الاجتماعات و عدد الخبراء و الامكانيات، كما تكمن أهمية الموضوع حول مدى تأثير هذه التحديات على فعالية عمل اللجان في حماية حقوق الأفراد و الجماعات، و على الجهود التي تبذلها منظمة الأمم المتحدة و الدول الأطراف والمنظمات الدولية غير الحكومية و المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان و المجتمع المدني ،و هو موضوع نراه بالغ الأهمية لأن الأمر يتعلق بواحدة من الآليات التي تمثل جوهر نظام الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان إذ يعتبر عملها في كثير من الأحيان بمثابة إنذار مبكر عن مشاكل حقوق الإنسان في الدولة المعنية.
ثالثا: أسباب اختيار الموضوع.
يرتبط أي موضوع بمبررات ذاتية تتمثل في ميولات الدارس نحو مواضيع بذاتها، كما أن هناك أن أسباب موضوعية تقترن بالقيمة العلمية للموضوع، و كذا المحاور التي يحاول الباحث معالجتها:
من هنا يمكن تقسيم أسباب اختيارنا للموضوع الى أسباب ذاتية و أخرى موضوعية على النحو التالي:
1) الأسباب الذاتية :
- محاولة الالمام بكم معلوماتي حول موضوع آليات الحماية الدولية لحقوق الانسان من أجل اثراء الرصيد المعرفي.
- رغبة من الباحث في دراسة الموضوع و إكمال الدراسات العليا في تخصص القانون الدولي لحقوق الانسان بالبحث في مستجدات الآليات الدولية لحماية الدولية لحقوق الانسان.
- التأثر بالانتهاكات اليومية الصارخة لحقوق الانسان نتيجة عدم وفاء الدول بالتزاماتها في المعاهدات التي صدقت عليها، و محاولة الإطلاع على الجهود الدولية في إطار حماية و تعزيز حقوق الانسان.
2) الأسباب الموضوعية و التي بدورها يمكن تقسيمها الى أسباب عملية و أسباب علمية :
أ/ الأسباب العملية:
- أن معظم الدراسات القانونية في القانون الدولي لحقوق الانسان قد أولت اهتماما لآليات الحماية الدولية لحقوق الانسان، دون الاهتمام بتحليل التحديات و الصعوبات التي تواجهها اللجان التعاهدية لحقوق الانسان، و هو ما سنركز عليه في هذه الدراسة.
- الاهتمام القانوني و الأكاديمي بمسألة حقوق الانسان و آليات حمايتها و تعزيزها على المستوى الدولي و الاقليمي و الوطني
- جدة الموضوع و حداثته، حيث لم أجد دراسة جامعية قد تناولت هذا البحث في موضوع مستقل.
ب/ الأسباب العلمية:
- رغبة مني في المساهمة بهذا الموضوع في إثراء المكتبة الجامعية الجزائرية بخصوص القانون الدولي لحقوق الانسان وآليات الحماية الدولية لحقوق الانسان.
- المساهمة في نشر ثقافة حقوق الانسان لفائدة كل المهتمين بها و خاصة المدافعين عن قضايا حقوق الانسان، و الأكاديميين و رجال القانون و الممارسين له..
- إبراز المكانة التي تحظى بها حقوق الانسان في الدراسات و المقررات الجامعية.
رابعا: أهداف البحث.
إن الهدف من وراء البحث في هذا الموضوع هو محاولة الكشف عن أهم التحديات التي تشكل عقبات أمام تحقيق نظام عمل الجان التعاهدية لحقوق الإنسان يتميز بالفاعلية، و بالتالي القيام بدورها في الاشراف و الرقابة على تنفيذ بنود الاتفاقيات التي صدقت عليها الدول الاطراف من أجل تعزيز و تفعيل حقوق الانسان على أرض الواقع، لذلك يهدف البحث الى:
- التعرف على أهم إختصاصات اللجان التعاهدية لحقوق الانسان سواء المشتركة فيما بينها أو الصلاحيات التي تنفرد بها كل لجنة.
- بيان أهم التحديات التي تواجهها هذه اللجان و كذلك ايضاح الأسباب المباشرة و غير المباشرة وراء هذهالتحديات.
- الوصول الى السبل التي تجعل من نظام اللجان التعاهدية لحقوق الإنسان أكثر فاعلية في مساعدة الدول الأطراف على تنفيذ التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان على النحو المنشود أصلا في المعاهدات ذات الصلة.
- إبراز الدور الذي تضطلع به منظمة الأمم المتحدة و خاصة المفوضية السامية لحقوق الانسان في زيادة فعالية عمل اللجان التعاهدية لحقوق الانسان و بالتالي تعزيز حماية حقوق الانسان.
- المساهمة في اماطة اللثام عن التحديات التي تواجهها هذه اللجان التعاهدية و تقديم التوصيات و الاقتراحات التي من شأنها أن تساهم في زيادة كفاءة اللجان التعاهدية لحقوق الانسان، لكون هذا الموضوع تحديدا لم يلق التمحيص المفصّل و الواسع بأسلوب التحليل لواقع عمل اللجان و لنصوص الاتفاقيات الدولية و لالتزامات الدول الأطراف.
خامسا: الدراسات السابقة .
بعد رجوعي الى دليل الرسائل الجامعية و المتخصصة في القانون الدولي لحقوق الانسان، لم أجد أحدا من الباحثين قد تناول نفس الموضوع بحثا أكاديميا مستقلا يتناول التحديات التي تواجه نظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان التي تم إنشاؤها بموجب المعاهدات الرئيسية لحقوق الانسان كللية من آليات الحماية الدولية لحقوق الانسان.
و أما بخصوص الدراسات السابقة فإن موضوع الحماية الدولية لحقوق الانسان من المواضيع التي لا تخلو من الدراسات و الابحاث لما يحظى به هذا الموضوع من أهمية و ضرورة على كافة المستويات، و مما وجدته من الدراسات ذات الصلة بموضوع بحثي ما يأتي:
الدراسة الأولى:
مذكرة ماجستير في القانون الدولي و العلاقات الدولية بعنوان " الآليات التعاهدية لحماية حقوق الانسان في إطار الأمم المتحدة " من إعداد الطالب: جمال رزايقية كلية الحقوق بن عكنون جامعة الجزائر 5، سنة 2011.
حيث تناول الباحث في هذا الموضوع الأساس القانوني للآليات التعاهدية لحماية حقوق الانسانبتقسيمها الى الآليات التقليدية و الآليات الحديثة و طبيعتها القانونية، كما تناول أهم إجرائين معمول بهما في نظام اللجان و هما نظام التقارير و نظام شكاوي الأفراد و الدول، إضافة الى تناوله تشكيل و تنظيم عمل هذه الأليات، و دور الجزائر و ممارسة الآليات التعاهدية في تطبيق حماية حقوق الانسان، من خلال بحث نظام التقارير و أنواعه و طريقة اعداده، اضافة الى عملية النظر في هذه التقارير، ثم نظام الشكاوى سواء المقدم من قبل الأفراد أو المقدم من قبل الدول، مع ايراد اجراءات النظر في شكاوى الدول و اعطاء نماذج لشكاوى كانت الجزائر طرفا فيها.
الدراسة الثانية:
مذكرة ماجستير في القانون الدولي و العلاقات الدولية بعنوان " إجراءات عمل لجان معاهدات حقوق الانسان في الأمم المتحدة " من إعداد الطالبة: صفصاف فاطمة الزهراء ، كلية الحقوق بن عكنون جامعة الجزائر 5، سنة 2014".
حيث تناولت الباحثة في هذا الموضوع أهم إجراءات العمل على مستوى اللجان التعاهدية لحقوق الانسان و المتمثلة في نظام التقارير من خلال بيان الأساس القانوني له و أنواعه و المبادىء التوجيهية التي تحكمه ،إضافة إلى دور التعليقات العامة في تطوير القانون الدولي لحقوق الانسان، كما تناولت الباحثة تقييم ألية التقارير بإبراز الوضعية التي أفرزها تقديم التقارير ، كما تناولت بالتعريف نظام الشكاوي من خلال عرض الشروط الشكلية و الموضوعية للإجراء و مراحل قبول الشكاوي شكليا و موضوعيا، اضافة الى تقييمها للآلية من ناحية الايجابيات و السّلبيات، و قدمت الباحثة المق ترحات المعمول بها حاليا لمواجهة تحدي تقديم التقارير و حق الافراد في تقديم الشكاوى كما جاءت في تقرير المفوضية السامية ( الوثيقة A/66/860)، اضافة الى تقديم مقارنة بين الشكاوي وفق الاجراء 1503 و الاجراء 1235، و بين الشكاوى وفق نظام اللجان التعاهدية.
الدراسة الثالثة :
رسالة أعدت استكمالا لنيل درجة الماجستير في حقوق الإنسان،بعنوان "ضمانا ت آلية اللجان التعاقدية لحماية حقوق الإنسان (دراسة تقويمية)"، من إعداد الطالب "خليل عمر عبد النافع"، إشراف الدكتور محمد أمين الميداني، جامعة الجنان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدراسات العليا، قسم حقوق الإنسان، طرابلس، لبنان، 2011.
أن الباحث تناول في دراسته التعريف باللجان التعاقدية لحماية حقوق الانسان و آلية عمل التقارير كما
تناول التعريف باجراء الشكاوي الحكومية و الفردية و لجان تقصي الحقائق و من أجل تقييم الاجراءات التي سبقت خصص فصلا ثالثا للتحديات الواقعية العملية التي تواجه اللجان من أجل إعمال الحقوق الموضوعية ،توصل بعدها الى نتائج مفادها أن نصوص الاتفاقيات المنشأة للجان ليست كافية نظريا لالزام الدول، و أن الالزام الوارد في عمل اللجان هو إلزام أدبي و ليس قانوني.
مما سبق نلاحظ أن :
الدراسة الأولى التي قام بها الباجث "زرايقية جمال" تركز على نظام التقارير و نظام الشكاوى بالوصف و التحليل كأهم الاجراءات التي تعتمدها آليات الحماية لحقوق الانسان على مستوى الأمم المتحدة، دون التركيز على باقي الاجراءات التي تختص بها اللجان مثل التحقيقات و الاجراءات العاجلة و التي لها دور أيضا في حماية حقوق الانسان و إبراز دور اللجان التعاهدية، كما أن الباحث لم يتناول العقبات المستجدة أمام اللجان التعاهدية و التي تفرز عديد التحديات العملية و القانونية ما يضعف من فعالية هذه اللجان التي تمثل جوهر نظام الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، خاصة و أن تعزيز عمل اللجان تعتبر عملية مستمرة بالموازاة مع عمل اللجان.
في حين قامت الباحثة صفصاف فاطمة الزهراء بالاقتصار في دراسة إجراءات اللجان على نظام التقارير و الشكاوي رغم وجود بعض الآليات الأخرى التي تحتاج أيضا إلى تعريف في إطار إبراز عمل اللجان التعاهدية ،كما أن الباحثة عند تناول المقترحات الحالية لتجاوز التحديات التي تواجه نظام التقارير و نظام الشكاوي ،اقتصرت فقط على توصيات المفوض السامي الصادرة في تقرير المفوضة السامية، و أغفلت التعريف بالعملية الحكومية الدولية التي انطلقت قبل نهاية مبادرة المفوضية، و التي اتخذت من مقترحاتها أساسا للنقاش و توجت مشاوراتها بالقرار 268/68 الذي قدم توصيات عملية على المدى القصير و إجراءات متابعة على المدى البعيد.
كما أن الدراسة التي قام بها الباحث "خليل عمر عبد النافع" قد عرفت بثلاثة إجراءات لوظائف رصد تنفيذ المعاهدات، كما قدمت تعريفا عن اللجان و تكوينها و تعدادها، و ركز الباحث على التحديات العملية و تقديم الاقتراحات لمعالجتها، لكنه أغفل التطرق إلى التحديات الاجرائية التي تهدد بإنهيار النظام ككل و التي تم تحديدها في تقارير اللجان الرسمية و المفوضية و وثائق الأمم المتحدة و أنه لا يمكن لأي باحث المرور عليها مرور الكرام عند تناول أي صعوبات تواجه نظام اللجان التعاهدية.
و اعتبارا من الدراسات السابقة، فإنني إن شاء الله سأحاول في هذا البحث حصر دراستي حول النقاطالأساسية التالية التي تكون الدراسات السالفة قد أغفلتها و هي:
- التعريف بجميع اختصاصات اللجان التعاهدية لحقوق الانسان المنشأة بموجب الاتفاقيات الأساسية لحقوق الانسان، و علاقتها مع الدول الاطراف و المنظمات الأخرى خاصة غير الحكومية التي تنامى دورها في عمل النظام.
- التعريف بالتحديات الاجرائية و تقديم المقترحات بشأن التصدي لها من أجل زيادة كفاءة و فعالية هذه الآليات، كون النظام مستمر في العمل و فقط بسبب تقصير الدول الاطراف في الوفاء بالتزاماتها، و أنه لامناص من إقامة النظام على أسس متينة داخليا و توحيد أساليب عمله حتى يمكنه مواجهة التحديات الواقعية.
- التعريف بجميع المبادرات المترابطة التي تم القيام بها من أجل التصدي للتحديات الاجرائية الراهنة و تعزيز نظام اللجان التعاهدية منذ أول مبادرة حتى العملية الحكومية الحالية و ما تم العمل به من مقترحات.
سادسا: الاشكالية .
يهدف الموضوع الى البحث عن أهم التحديات التي تواجهها اللجان التعاهدية لحقوق الانسان من خلال الإجابة على الإشكالية الرئيسية التالية :
- ما هي طبيعة التحديات الراهنة التي تحد من فعالية نظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان بصفتها جوهر نظام الأمم المتحدة من أجل تعزيز و حماية حقوق الانسان ؟ و تندرج تحتها إشكاليات فرعية هي :
- ماهي طبيعة اللجان التعاهدية لحقوق الانسان التي تميزها عن غيرها من هيئات حماية حقوق الانسان الدولية؟
- ما هي اختصاصات اللجان التعاهدية لحقوق الانسان في اطار الاشراف و الرقابة على تطبيق الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بهدف حماية و تعزيز حقوق الانسان على أرض الواقع ؟
- ما هي المعوقات التي تحد من قدرة اللجان التعاهدية لحقوق الانسان على أداء مهمتها بشكل صحيح و التي من شأنها أن تشكل صعوبات و عراقيل أمام ضمان دعم تعزيز حقوق الانسان و حمايتها ؟
- ما هي الاجراءات التي اعتمدها المجتمع الدولي و منظمة الأمم المتحدة و اللجان التعاهدية نفسها بهدفمواجهة هذه التحديات ؟
سابعا: المنهجية المتبعة.
نحاول في هذا البحث أن نتبع منهجين :
- المنهج الوصفي الذي يعد المنهج الأكثر تعبيرا و وصفا لموضوع حقوق الانسان و آليات حمايتها، من أجل التعرف على اختصاصات اللجان التعاهدية لحقوق الانسان في الرقابة على تنفيذ الاتفاقيات المنشأة لها و لأنظمتها الدّاخلية، و كما يساعدنا على تحليل نصوص الاتفاقيات الرئيسية لحقوق الانسان موضوع دراستنا في هذا البحث.
- المنهج القانوني التحليلي من أجل التطرق لمختلف التحديات و الصعوبات التي تحد من فاعلية نظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان في الرقابة على التزامات الدول من أجل تعزيز و حماية حقوق الانسان و تحديد طبيعتها و مداها عن طريق التحليل لجملة نصوص الاتفاقية ذات العلاقة بالموضوع، و التي بموجبها تلتزم الدول الاطراف فيها بحماية حقوق الانسان.
ثامنا: الصعوبات.
مثل أي بحث فقد اعترضت الدراسة صعوبات كثيرة تمثلت في قلة الدراسات الشاملة والمتخصصة، إذ لم يحض موضوع التحديات التي تواجهها اللجان التعاهدية لحقوق الإنسان بالدراسات المستحقة و خاصة في وطننا العربي مما يجعلها قليلة جدا أو تكاد تكون منعدمة بالمقارنة مع التطور الذي عرفته هذه اللجان و الدور الذي تلعبه في سبيل إعمال حقوق الإنسان في العالم سواء على مستوى تشريع النصوص القانونية أو على مستوى إعمال حقوق الإنسان في الدول الاطراف في الاتفاقيات ذات الصلة، على الرغم من كثرة المؤلفات التي تناولت موضوع حقوق الإنسان من جانب الحماية و التعزيز و تطورها في ظل دور المنظمات الدولية غير الحكومية ومختلف الهيئات المعنية بحقوق الإنسان.
لذلك فإن انجاز هذه الدراسة لم يكن بالأمر اليسير، سواء من ناحية الإلمام بموضوع الآليات التي تختص بها اللجان التعاهدية و مدى تداخلها مع الهيئات الدولية الاخرى، و خاصة طبيعة التحديات الخاصة أو المشتركة التي تعيق من نشاط اللجان في سبيل رصد تنفيذ الاتفاقيات سواء تلك الداخلية المتعلقة باللجان أو المتعلقة بالدول الاطراف، و كله يتطلب جهدا كبيرا و وقتا طويلا ودراسة معمقة سواء من حيث التصور أو التحليل، ومادمنانتكلم عن موضوع التحديات في إطار نظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان فإن الصعوبة تكون أكثر لقلة وجود دراسات سابقة في هذا الموضوع خاصة باللغة العربية، وندرة المراجع فيه، فكل هذه العوامل شكّلت صعوبات في سبيل الباحث، ولكن الطالب حاول التعامل مع هذه الصعوبات بعد تناول الموضوع وإبرازه في خطة متطابقة مع عنوان الموضوع و الإشكالية وتساؤلا.
تاسعا: حدود الدراسة
تتحدد نتائج الدراسة بالحدود التالية:
التحديد الزمني :من تاريخ إنشاء منظمة الأمم المتحدة 1945 إلى غاية تاريخنا الحالي.
التحديد المكاني :المجتمع الدولي.
التحديد النوعي :التحديات الاجرائية التي تواجهها اللجان التعاهدية لحقوق الانسان في سبيل تعزيز فعاليتها، و يقتصر بحثنا على اللجان التعاهدية المنشأة بموجب المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الانسان، دون الهيئات الأخرى المنشأة بموجب اتفاقيات و تتشابه في نطاق الاختصاص مع الأليات التعاهدية، و لكنها لجان إقليمية على غرار الاوروبية ، قبل إنشاء المحكمة الم وحدة، و كذالك الأمريكية و الأفريقية التي تخرج من مجال دراستنا.
تحديد المفاهيم: يرد في بحثنا الاشارة الى اللجان التعاهدية لحقوق الانسان بمسميات عديدة لا تفقد البحث قيمته العلمية القانونية، و هذا راجع الى تعدد المسميات لنظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان، فيرد في مواثيق الأمم المتحدة و اللجان تارة: الهيئات المنشأة بموجب معاهدات، و تارة "اللجان التعاقدية لحقوق الانسان" و تارة " هيئات الاشراف على المعاهدات" كما ورد في المراجع الاكاديمية تحت مسمى " الآليات الاشرافية أو الرقابية "، و قد تنوعت استعمالاتنا للمفهومين " اللجان التعاهدية و هيئات المعاهدات" كونهما الأكثر شيوعا بين وثائق اللجان نفسها.
عاشرا: خطة البحث .
و للاجابة على الاشكالية قمنا بتقسيم الدراسة في مقدمة و فصلين على النحو التالي:
الفصل الأول: ماهية اللجان التعاهدية لحقوق الانسان. و تم تقسيمه الى مبحثين
المبحث الأول: الطبيعة القانونية للجان التعاهدية لحقوق الانسان. تناولنا طبيعة تكوين اللجان التعاهدية و ما هو الأساس القانوني التي تعتمد عليه في تشكيل أعضاء لجانها و الذي تستند عليه خلال عملها في حماية حقوق الانسان.
المبحث الثاني: الطبيعة التنظيمية للجان التعاهدية لحقوق الانسان. تناولنا فيه اختصاصات اللجان التعاهدية لحقوق الانسان و طبيعة علاقتها مع الهيئات التابعة للأمم المتحدة و غير التابعة لها و التي تختص بحماية و تعزيز حقوق الانسان.
الفصل الثاني: التحديات التي تواجهها اللجان التعاهدية لحقوق الانسان و سبل مواجهتها و تم تقسيمه الى مبحثين.
المبحث الاول: التحديات الراهنة التي تواجهها اللجان التعاهدية لحقوق الانسان: و تناولنا فيه أهم الصعوبات الناجمة عن اتساع نطاق نظام اللجان التعاهدية و الصعوبات الناجمة عن عبء العمل و الاحتياجات من الموارد ، اضافة الى تراكم التقارير و الشكاوي التي تنتظر الفحص.
المبحث الثاني: سبل مواجهة التحديات الراهنة التي تواجهها اللجان التعاهدية : و فيه تم التطرق الى المبادرات السابقة و العملية الحالية لتعزيز عمل اللجان التعاهدية لحقوق الانسان، إضافة الى رؤية مستقبلية بشأن نظام اللجان التعاهدية لحقوق الانسان.
خاتمة : تتضمن حصيلة للنتائج و التوصيات المتوصل إليها، و الاقتراحات التي تبدو لنا أنها ضرورية للعمل بها من طرف اللجان التعاهدية و المفوضية السامية لحقوق الانسان من أجل تعزيز قدرات اللجان في القيام بمهام مراقبة مدى تنفيذ الدول الاطراف للاتفاقيات و بالتالي تفعيل حقوق الانسان على ارض الواقع.
---------------------------
قائمة المراجع :
- ابراهيم أحمد خليفة، الالتزام الدولي باحترام حقوق الانسان و الحريات الأساسية، دار الجامعة الجديدة، القاهرة ،مصر
- ابراهيم علي بدوي الشيخ، التطبيق الدولي لاتفاقيات حقوق الانسان الآليات و القضايا الرئيسية، دار النهضة العربية،.
- أبو الوفاء أحمد ، الحماية الدولية لحقوق الانسان في إطار منظمة الأمم المتحدة و الوكالات المتخصصة، دار النهضة العربية، القاهرة ، مصر، الطبعة الثالثة،.
- أحمد أبو الوفاء محمد، الوسيط في قانون المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، ط 1.
- أحمد، خليفة ابراهيم، الالتزام الدولي باحترام حقوق الانسان و حرياته الاساسية:)دراسة تحليلية في مضمونه و الرقابة على تنفيذه(، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، .
- جاك دونللي ، حقوق الانسان العالمية بين النظرية و التطبيق، ترجمة مبارك علي عثمان، مراجعة الدكتور محمد نور فرحات، المكتبة الاكاديمية، القاهرة، .
- حيدر ادهم عبد الهادي و ليلو راضي مازن، حقوق الانسان " دراسة تحليلية مقارنة "، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية، .
- الرشيدي أحمد، حقوق الانسان : دراسة مقارنة في النظرية و التطبيق، الطبعة الأولى، مكتبة الشروق الدولية،
- الشافعي محمد بشير، قانون حقوق الانسان مصادره و تطبيقاته الوطنية و الدولية، الطبعة الخامسة، منشأة المعارف الاسكندرية مصر،.
- عبد العالي الديربي ، الرقابة الدولية على إنفاذ أحكام القانون الدولي : دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة مصر .
- عبد العزير قادري ، حقوق الانسان في القانون الدولي و العلاقات الدولية، المحتويات و الآليات، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع الجزائر .
تعليقات
إرسال تعليق