رسالة بعنوان: مناهضة التعذيب وفقا لأحكام القانون الدولي PDF
مقدمة :
لقد إهتم القانون الدولي لحقوق الإنسان بكرامة الفرد المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، الذين يتمتعون بحقوق متساوية وثابتة كأساس للحرية والعدل والسلام في العالم، وهو الأمر الذي جاء التأكيد عليه ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقر أيضا بأن المعاملة بين الناس يجب أن تتصف بروح الإخاء، فحفظ الكرامة يقتضي عدم الاعتداء على الإنسان وعلى ي حق من حقوقه لأن ذلك يؤدي في النهاية إلى انعدام الأمن والاستقرار، والرفاه الذي تسعى الجهود الدولية إلى تحقيقه.
ويعد التعذيب أخطر هذه الاعتداءات وأشدها أثرا على جسد الإنسان وعلى وعقله، وقد وجد منذ القدم كإحدى الوسائل المشروعة للحصول على اعترافات المتهم، كما كان عند الفراعنة وعند اليونانيين والرومان، ورغم استعماله في البداية كأسلوب معاملة خاص بالعبيد والفقراء، لكن سرعان ما بلغ الأمر حد تقنين التعذيب ضمن النطم الأساسية في الاجراءات الجنائية خاصة في أوروبا خلال القرون الوسطى لانتزاع المعلومات التي يعتقد أنها ترشد إلى الحقيقة.
وفي أعقاب الحربين العالميتين اللتين اتسع خلالهما نطاق الاعتداءات والتجاوزات الخطيرة والانتهاك المستمر لمختلف الحقوق والحريات، ومن أبرزها أن كان الجسد البشري مسرحا لأفعال تعذيبية تفنن فيها مجرمون استخدموا وسائل اختلفت الآلام الناتجة عنها باختلاف أصنافها، وبذلك اتجهت الإرادة الدولية صوب توثيق تلك المعاملات وتحريمها بإبرام اتفاقيات دولية مانعة ومناهضة للتعذيب ومختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وذلك بالموازاة مع إحداث آليات قصد التطبيق الفعلي لقواعد و مبادئ الحماية من التعذيب.
ين الجهود الدولية الرامية إلى مناهضة التعذيب تشمل كافة أشكال الحماية للحق في عدم التعرض للتعذيب من منع وحظر وتحريم وتجريم الممارسات التعذيبية، وذلك وفقا لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان بصفة أساسية، وفي إطار القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي.
أهمية الدراسة
تتطرق هذه الدراسة في مجملها إلى الجانبين النظري والتطبيقي للحماية من التعذيب وتبرز أهميتها من خلال كلا الجانبين فيما يلي:
1- الاهتمام المتزايد الذي يوليه المجتمع الدولي لموضوع الحماية من التعذيب باعتباره انتهاكا خطيرا في حق الإنسانية، خاصة مع الصراعات والنزاعات المسلحة غير الدولية التي تكشف عن انتشار رهيب لهذه الجريمة.
2 - النداءات الدولية المطالبة بضرورة وضع حد لاستمرار الإفلات من العقاب لمنتهكي المنظمات حقوق الإنسان، وبصفة خاصة الحق في عدم التعرض للتعذيب، وسعي الدولية وخاصة غير الحكومية، إلى نشر تلك النداءات والعمل على الاستجابة لها.
3-تبرز هذه الدراسة كيف أن أساليب التعذيب في تنوع وتطور مستمرين بالرغم من تحريم استخدامها سواء كان ذلك في القوانين الدولية أو حتى الداخلية.
إيراز الآثار الخطيرة التي تنجر عن ممارسات التعذيب على الأفراد، والأذى الكبير الذي يلحق بأجسادهم ونفوسهم وعقولهم وينعكس سلبا على المجتمع ككل.
أسباب اختيار الموضوع
يعود اختياري لهذا الموضوع أساسا إلى الأسباب الآتية:
أ/ الأسباب الذاتية:
1- الرغبة الذاتية في معرفة الضمانات الدولية المقررة لكفالة حق كل فرد في عدم التعرض للتعذيب.
2- الرغبة في معرفة أهم قضايا التعذيب التي كشفت عنها لجان الرقابة على مدى احترام حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المعنية بالحماية من التعذيب، وتلك التي غرضت على قضاء حقوق الإنسان وكانت سببا في صياغة قواعد جديدة للحماية.
ب/ الأسباب الموضوعية:
1 الأهمية التي أولاها القانون الدولي لحماية الحق في عدم التعرض للتعذيب وحظر كل أشكال الاعتداء عليه، بداية بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء لعام 1995 المنبثقة عن مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة إلى غاية ميلاد اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984 والبروتوكول الاختياري الملحق بها لعام 2002.
2 -انتشار التعذيب بشكل مفاجئ حيث عاد وبقوة مع حلول القرن العشرين بالرغم من أن نظام الحظر المعتمد في الوقت الحاضر أقوى بكثير مما سبق.
الدراسات السابقة
إن موضوع مناهضة التعذيب له من الأهمية ما جعله مجالا خصبا لعديد الدراسات القانونية ونذكر من بينها الدراسات التالية:
1-رسالة دكتوراه للباحث لخذاري عبد الحق، بعنوان "المسؤولية الجنائية عن جريمة التعذيب، دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي"، لم تتطرق هذه الدراسة لآليات الحماية الدولية من التعذيب بل اكتفت بدراسة أحكام التحريم والمسؤولية الجنائية عن جريمة التعذيب في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي.
2-مذكرة ماجستير للباحث أحمد صالح المطرودي، بعنوان "جريمة تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف والمسؤولية الجنائية فيها وتطبيقاتها في النظام السعودي"، وقد اقتصرت هذه الدراسة على التعذيب الممارس من طرف سلطات الدولة المكلفة بتنفيذ القانون ضد المتهم.
3- مذكرة ماجستير للباحث عادل بن محمد التويجري، بعنوان "التعذيب والمعاملة المهينة بكرامة الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي"، هذه الدراسة هي الأخرى لم تتطرق إلى آليات مناهضة التعذيب.
4- مذكرة ماجستير للباحث بن مهني لحسن، بعنوان "العقبات التي تواجه حضر التعذيب في القانون الدولي المعاصر".
5- مذكرة ماجستير للباحثة عزي زهيرة، بعنوان "مناهضة التعذيب في القانون الدولي العام .
6-مذكرة ماجستير للباحثة أوراد كاهنة ، بعنوان "الإطار القانوني لمكافحة جريمة التعذيب في القانون الدولي".
7- مذكرة ماجستير للباحثة بن دادة وافية بعنوان "جريمة التعذيب في إطار الاتفاقيات الدولية والاقليمية وقانون العقوبات الجزائري". وكلها دراسات استفدت منها في إنجاز بحثي هذا الذي حاولت فيه جاهدة تناول موضوع مناهضة التعذيب وفقا لأحكام القانون الدولي في ظل الأحداث والأوضاع الحاصلة مؤخرا على صعيد الانتهاكات الممارسة، والاجراءات المضادة لها للحماية التعذيب.
صعوبات البحث
لا يخلو البحث العلمي أيا كان موضوعه من الصعوبات. ولقد واجهتنا في سبيل إتمام بحثنا جملة من الصعوبات أبرزها:
1-سعة هذا البحث وتشعب أطرافه نظرا لاتصاله بجملة من المواضيع الأخرى مما يصعب من محاولة حصره في إطار واحد. إضافة إلى عدم إمكانية التطرق لكل الاتفاقيات الدولية التي نصت على حماية الحق في عدم التعرض للتعذيب لكثرتها والأمر نفسه بالنسبة لأجهزة الحماية.
2-صعوبة الحصول على المراجع باللغة الأجنبية.
أهداف البحث وحدود الدراسة
يهدف هذا البحث للوصول إلى إيجاد مفهوم واضح وسليم للتعذيب، وتمييزه عما يشابهه من المعاملات الأخرى المحرمة، وإيراز خطورة جريمة التعذيب نظرا للآثار المدمرة التي تتركها في جسد ونفس وعقل الضحية الذي يبقى في حاجة إلى إعادة التأهيل في أغلب الحالات، كما يهدف هذا البحث إلى إيراز أهم الأسس القانونية الدولية والإقليمية لتحريم التعذيب من جهة، وتقييم دور الآليات الدولية والإقليمية لمناهضته من جهة أخرى وذلك في إطار القانون الدولي بمختلف فروعه: الدولي الجنائي والدولي الإنساني، وبصفة خاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك أساسا في الفترة الممتدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس هيئة الأمم المتحدة في عام 1945، إلى غاية يومنا هذا.
إشكالية البحث
نظرا لكون التعذيب انتهاكا خطيرا يمس بسلامة الإنسان الجسدية والنفسية والعقلية، فقد تزايد اهتمام المجتمع الدولي بموضوع مناهضته والحماية منه واتجهت الجهود الدولية نحو منعه وفق قواعد القانون الدولي. ولذلك فإن الإشكالية التي تطرح نفسها في بحثنا هذا هي:
- هل لقواعد القانون الدولي وآلياته في الحماية، الفعالية اللازمة في مناهضة التعذيب ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية التساؤلات التالية :
ما المقصود بالتعذيب ؟ وكيف نميز بينه وبين غيره من المفاهيم المشابهة له ؟
كيف تصدت الاتفاقيات الدولية للاعتداء على حق الإنسان في عدم التعرض للتعذيب ؟
ما هي آليات الحماية التي تضمن تطبيق قواعد القانون الدولي المناهضة للتعذيب ؟
مناهج البحث
لقد اعتمدنا في بحثنا هذا على المنهجين التاليين:
المنهج التحليلي: لمناقشة وتحليل أهم النصوص القانونية المضمنة في الاتفاقيات محل الدراسة، والتقارير الدولية المتاحة، والقوانين الداخلية لآليات الحماية المعنية على المستويين الدولي والإقليمي.
المنهج الوصفي: في وصف الممارسات التعذيبية ومختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وفي وصف الوسائل والأساليب المستعملة فيها و الآثار الناتجة عنها وتحديد سبل مواجهتها، وأيضا عند التعريف بمختلف آليات الحماية والعمل الذي تقوم به من أجل مناهضة التعذيب.
خطة البحث
اعتمدنا في هذا البحث على خطة من فصلين. حيث يتعرض الفصل الأول إلى الأحكام الخاصة بالحق في عدم التعرض للتعذيب، وقد قسمته إلى أربعة مباحث فخصصت المبحث الأول منه لمفهوم التعذيب، أما المبحث الثاني فكان بعنوان الحماية التعذيب في المواثيق الدولية، والمبحث الثالث لدراسة التعذيب كجريمة دولية، والرابع عن أهم المبادئ القانونية المكرسة لعدم إفلات مرتكبي جريمة التعذيب الدولية من العقاب.
أما الفصل الثاني من هذا البحث الذي تناولنا فيه الآليات الدولية لمناهضة التعذي فاحتوى هو الآخر على أربعة مباحث، فكان المبحث الأول عن الآليات الأممية للحماية التعذيب، والثاني للآليات الدولية الإقليمية للحماية، أما المبحث الثالث فخصصناه لدراسة دور المنظمات الدولية غير الحكومية للحماية من التعذيب، والرابع لدور القضاء الجنائي الدولي في الحماية من التعذيب وكفالة حقوق الضحايا.
وبناء على ما سبق ذكره، سوف نقوم بدراسة موضوع مناهضة التعذيب وفقا لأحكام القانون الدولي وفق الخطة التالية:
مقدمة:
الفصل الأول: النظام القانوني لحماية الحق في عدم التعرض للتعذيب
الفصل الثاني: الآليات الدولية لمناهضة التعذيب
الخاتمة:
---------------------------
لائحة المراجع :
- الاتفاقات الدولية
- إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة لعام 1975.
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
- الاتفاقية الأمريكية للوقاية من التعذيب والمعاقبة عليه لعام 1985.
- مشروع الاتفاقية العربية لمنع التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة لعام 1990.
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لعام 1966.
- القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء لعام 1955.
- المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء لعام 1990.
- مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين لعام 1979.
-المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون لعام 1982.
- الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950.
- الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969.
- الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام1981.
- الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام2004.
- اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977.
- اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لعام 1968.
- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984.
- البروتوكول الخاص بالميثاق الإفريقي لإنشاء المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1997.
- الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة لعام 1987.
تعليقات
إرسال تعليق