مقدمة
مما لا شك فيه أن الحرية الشخصية أغلى ما يملكه الإنسان، ولا يمكن أن يستغني عنھا أو يعوضھا أو يحيى دونھا، فھي تلازمه وھو جنين في بطن أمه، ولا تفارقه إلا بعد أن يوارى التراب، ھذا ما جعله يستميت في الدفاع عنھا، ويقدم حياته قربانا لھا، وحتى الحروب التي شھدھا تاريخ البشرية، وراح ضحيتھا الملايين من البشر كان ھدفھا الرئيس الحرية.
ھذه الكلمة العذبة لاقت اھتمام البشرية بصفة عامة، وكانت الشغل الشاغل لرجال الفكر، واتخذھا الثوار شعارا لھم، وأقرتھا كل الشرائع السماوية والمعتقدات الدينية، ورصد لھا المجتمع الدولي ولازال ترسانة من المواثيق والعھود؛ حيث نصت عليھا معظم دساتير الدول المعاصرة. ورغم الجدل الذي أثير حول مفاھيمھا وتعاريفھا، والاختلاف حول تصنيفھا، إلا أن الجميع اتفق على قداستھا، وضرورة حمايتھا.
والحرية الشخصية ھي حق وحاجة أساسية وأولية متصلة بالفرد بصفته إنسان، وتعني أن يكون الفرد قادرا على التصرف في شؤونه بنفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته سواء تعلق الأم ر بأمن ه م ن الاعت داء عل ى ال نفس أو الع رض أو الم ال، عل ى أن لا تك ون تص رفاته تش كل عدوانا على غيره، وھذا ما يجعلھا جديرة بالحماية.
إشكالية البحث
لقد أجمعت التشريعات الدينية والدولية والوطنية على ضرورة حماية الحريات الشخصية، وضمان التمتع بھا، ورغم تدخل المشرع الدستوري الذي حددھا، وبين الاستثناءات التي تعتريھا، ووضع جملة من الضمانات والآليات لحمايتھا والمحافظة عليھا، إلا أنھا لا زالت عرضة للانتھاك لأسباب ومبررات واھية.
ھذا ما يجعلھا تطرح إشكالا رئيسا وھو: كيف نحمي ونحافظ على الحريات الشخصية للأفراد ؟
وتساؤلات فرعية :
- ما ھي الحريات الشخصية التي يتمتع بھا الفرد وحددھا الدستور ؟
- ما ھي المبادئ التي وضعھا المشرع من أجل حماية الحريات الشخصية ؟ وھل تفي بالغرض ؟
- ما ھي الوسائل والآليات التي رصدھا المشرع الدستوري للحيلولة دون المساس بالحريات الشخصية ؟ وما مدى فاعليتھا؟
أسباب اختيار موضوع البحث
لا شك أن اختيار موضوع الدراسة لم يأت صدفة، وإنما نبع من أھمية الحريات الشخصية في الحياة اليومية لكل إنسان، إلى جانب اعتبارات ذاتية وموضوعية، تدفعني إلى سبر أغوار ھذا الموضوع ودراسته.
فالاعتبارات الذاتية تعود إلى كون مسألة الحريات الشخصية لھا أھمية في حياتي اليومي ة بص فتي إنس ان وف رد ف ي المجتمع، تس توجب معرف ة كيفي ة حمايتھ ا وض مانھا من أي انتھاك، ھذا من جھة، ومن جھة أخرى فإن طبيعة حياتي المھنية – والتي لھا علاقة مباشرة بھذه المسألة – تفرض علي الاطلاع على ھذا الموضوع بالتفصيل، حتى يتسنى لي تطبيقھا في الواقع، دون المساس بھا.
أما الاعتبارات الموضوعية فتعود بالأساس إلى أھمية مسألة الحريات الشخصية، بما تشكله من اھتمام المشرع الدولي الذي رصد لھا ترسانة من المواثيق والمعاھدات، وما لاقته من اھتمام الباحثين والدارسين في الدول الغربية، إلا أنھا على المستوى الداخلي لم تلقى الاھتمام نفسه، خاصة أن الدراسات في ھذا المجال قليلة، وھو ما دفعني إلى اختيار ھذا الموضوع، وذلك من أجل الاسھام في دراسته.
أھمية الموضوع
إن أھمية موضوع الدراسة يكم ن في قيمة الحريات الشخصية في حياة الأفراد، خاصة أنھا لم تعد مسألة داخلي ة بع دما اس تقطبت الاھتم ام الدولي الذي رصد لھا العديد من الاتفاقيات التي أصبحت جزء لا يتجزأ من القوانين الداخلية للدولة، وھو ما يقتضي من ھذه المنظومة أن تھتم بھاته المسألة، وتعمل على حمايتھا، والمحافظة عليھا. وھذا ما جسده الدستور الجزائري - باعتباره القانون الأساسي في الدولة – من خلال سمو الدستور والمعاھدات الدولية على التشريع الداخلي، وانفراد المشرع بالتشريع، إلى جانب وضعه للآليات تتمثل في: الرقابة عن طريق المجلس الدستوري، والقضاء الإداري، والقضاء العادي.
أھداف البحث
إن الھدف من دراسة موضوع الحماية الدستورية للحريات الشخصية ھو تحديد ھذه الحريات ومبادئھا، والآليات التي تحميھا وتضمن للأفراد ممارستھا، وھذا يحتاج إلى دراستھا بشكل مستفيض لإبراز مدى فعالية ھذه المبادئ والضمانات، والكشف عن عيوبھا، للحيلولة دون انتھاكھا. وفيما يلي تفصيل لأھداف البحث:
- دراسة الحريات الشخصية (الحريات البدنية، الحق في الأمن والسلامة، وحرية الحياة الخاصة وحرمتھا) - التي حددھا المشرع الدستوري وخول للسلطة
التشريعية ص لاحيات تنظيمھا، وتحديد الاستثناءات الواردة عليھا، وخص السلطة التنفيذية بصلاحيات تنفيذھا- وإبراز مدى أھميتھا.
- دراسة المبادئ الأساسية (مبدأ سمو الدستور، مبدأ سمو المعاھدات الدولية على التشريعات الداخلية، مبدأ انفراد المشرع بالتشريع) التي وضعھا المشرع الدستوري لحماية الحريات الشخصية، وإبراز مبادئھا المنبثقة عنھا، ومدى التزام السلطات العامة واحترامھا لھا.
- دراسة الأليات التي وضعھا المشرع الدستوري (رقابة مدى دستورية القوانين، رقابة مدى مشروعية أعمال السلطة الإدارية، رقابة الأحكام القضائية) للتأكد من مدى احترام السلطات العامة للمبادئ السالفة الذكر، ومدى فعالية ھذه الآليات في ضمان حماية الحريات الشخصية.
- إن المشكلة الأساسية للحرية الشخصية أنھا عرضة للانتھاك رغم قداس تھا الدستورية، سواء من السلطة التشريعية من خلال وضع استثناءات، أو السلطة التنفيذية من خلال تنفيذ القوانين، والتدخل في التشريع، أو السلطة القضائية من خلال محاكمة الأفراد، دون مراعاة المبادئ العامة.
صعوبات البحث
رغم أھمية موضوع حماية الحريات الشخصية، إلا أن دراسته تعتريه صعوبات وعوائق منھا:
- تشعب الموضوع واتساعه مما يصعب على الباحث التحكم فيه وحصره، خاصة أنه يقتضي دراسته من عدة زوايا تشريعية دولية وداخلية.
- صعوبة الإلمام بالموضوع، وتحديده، ودراسته، أمام التطور التكنولوجي السريع الذي أدى إلى تطور أساليب ممارسة البعض من ھذه الحريات التي عجزت التشريعات الداخلية عن مسايرتھا.
منھجية البحث
لقد حاولت دراسة ھذا الموضوع من خلال اتباع المناھج التالية:
المنھج التحليلي؛ من خلال تحليل النصوص الدستورية التي نصت على الحريات الشخصية، وعلى المبادئ العامة لحمايتھا، والآليات الضامنة لھا، وجميع النصوص القانونية التي لھا علاقة بھذا الموضوع.
المنھج المقارن؛ من خلال مقارنة النصوص والمبادئ بمثيلاتھا في المواثيق والعھود الدولية والدساتير والتشريعات الفرنسية والمصرية.
خطة البحث
لقد حاولت أن أتناول موضوع البحث من خلال التطرق إلى الحرية بصفة عامة، والحريات الشخصية بصفة خاصة، من حيث تحديدھا، والمبادئ الأساسية والوسائل والآليات التي تحميھا، وجاءت خطة البحث في ثلاثة فصول، يسبقھا فصل تمھيدي على النحو التالي:
مقدمة
فصل تمھيدي بعنوان: المدخل إلى الحريات الشخصية، وتضمن مفھوم الحرية بصفة عامة، وما يميزه عن الحق وباقي المصطلحات المشابھة لھا، وتصنيف الحريات العامة، وانتھيت بمفھوم الحريات الشخصية وتصنيفھا.
الفصل الأول بعنوان: الحريات الشخصية، وتضمن أربعة مباحث؛
- المبحث الأول تناول الحريات البدنية المتمثلة في الحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية، وما يرد عليھما من استثناءات.
- المبحث الثاني تناول الحق في الأمن والسلامة الذي يقتضي عدم جواز احتجاز، إيقاف، حبس، أو اعتقال أي شخص إلا إذا اقتض تضرورة التحري والتحقيق في الجرائم، وضرورة حماية النظام والأمن العامين.
- المبحث الثالث تناول حرية الحياة الخاصة المتمثلة في حرية المسكن وحرمته، وسرية المراسلات والاتصالات، واحترام وحماية خصوصيات الإنسان، وما يرد عليھم من قيود.
- المبحث الرابع تناول حرية التنقل المتمثلة في تنقل المواطنين داخل الدولة والخروج منھا والعودة إليھا، وتنقل الأجانب فيھا.
الفصل الثاني بعنوان: المبادئ العامة للحماية الدستورية، وتضمن ثلاثة مباحث؛
- المبحث الأول تناول الشرعية الدستورية المتمثلة في مبدأ سمو الدستور على التشريعات الداخلية، وسمو المعاھدات الدولية المصادق عليھا على التشريع الداخلي، والانفراد التشريعي.
- المبحث الثاني تناول الشرعية الجنائية المتمثلة في مبدأ شرعية التجريم والعقاب (مبدأ لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمني إلا بنص، ومبدأ عدم رجعية النصوص الجنائية إلا ما كان منھا أصلح للمتھم)، ومبدأ شرعية الخص ومة الجنائية (مبدأ الأصل في الإنسان البراءة التي لا يمك ن دحضھا إلا بموجب محاكمة عادلة)، ومبدأ شرعية التنفيذ العقابي (حقوق المحبوسين وضمان الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية لھم).
- المبحث الثالث تناول الشرعية القضائية المتمثلة في مبدأ استقلال القضاء وحياده (استقلال القضاء من الناحية العضوية والوظيفية عن باقي السلطات وحياده)، ومبدأ المساواة أمام القانون وأمام القضاء، ومبدأ القضاء الطبيعي (المحاكم العادية، والمحاكم الاستثنائية).
الفصل الثالث بعنوان: الضمانات الدستورية للحريات الشخصية، وتضمن ثلاثة مباحث؛
- المبحث الأول تناول رقابة مدى دستورية القوانين عن طريق المجلس الدستوري بشقيھا السابق على صدوره واللاحق له، ومدى أھمية ھذه الرقابة ونجاعتھا.
- المبحث الثاني تناول رقابة القضاء الإداري خاصة رقابة مدى مشروعية أعمال الإدارة عن طريق إلغاء القرارات غير المشروعة، ورقابة مدى مسؤولية الإدارة عن أعمالھا عن طريق التعويض عن الأضرار.
- المبحث الثالث تناول رقابة القضاء العادي المتمثلة في المبادئ الأساسية: مبدأ علنية الجلسات، مبدأ سرعة الفصل، مبدأ تسبيب الأحكام، مبدأ عدم معاقبة المتھم على فعل واحد مرتين، مبدأ لا عقوبة بغير حكم قضائي، أما وسائل الرقابة فإنھا تنحصر في الرقابة على صحة الإجراءات عن طريق بطلانھا، والرقابة على الأحكام القضائية عن طريق الاستئناف كوسيلة من وسائل الطعن.
الخاتمة
---------------------------
قائمة المراجع :
القرآن الكريم.
أولا: الكتب
- أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، الطبعة الأولى، مصر، دار الشروق، 1999م.
- أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجزائية، الطبعة الأولى، مصر، القاھرة، دار النھضة العربية، 1999م.
- أحمد محيو، محاضرات في المؤسسات الإدارية، ترجمة محمد عرب صاصيلا ، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية ، الطبعة الثانية ، 1979م.
- إدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام (الجزء الثاني) النظرية القانونية في الدولة وحكمھا، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان، دار العلم للملايين، 1971م.
- ادريس بوكرا، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية،الجزائر، دار الكتاب الحديث، دون رقم الطبعة،2003م.
- بوبشير محند أمقران، النظام القضائي الجزائري، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2003م.
بوصقيعة أحسن، قانون العقوبات على ضوء الممارسات القضائية، الطبعة الثالثة، الديوان الوطني للأشغال التربوية، سنة 2001م.
- دعبوش نعمان، معاھدات لحقوق الإنسان تعلو القانون، دار الھدى، عين مليلة، الجزائر،
2008م.
- جيلالي بغدادي، التحقيق دراسة مقارنة نظرية تطبيقية، الطبعة الاولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر سنة 1999م
- أحمد عمر حمد، السلطة التقديرية للإدارة ومدى رقابة القضاء عليھا، الطبعة الاولى، الرياض، سنة 2003م، أكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية.
- سعيد بوالشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية (الجزء الأول) النظرية العامة للدولة والدستور، طبعة ثالثة منقحة، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1999م.
- سليمان الطماوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية وفي الفكر الإسلامي، الطبعة السادسة مزيدة ومنقحة، مصر، دار الفكر العربي، 1996م.
- سليمان بارش، شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، الجزائر، باتنة، دار الشھاب للطباعة والنشر، 1986م.
- عبد الحكيم حسن العيلي، الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام (دراسة مقارنة)، دار الفكر العربي، 1993م.
تعليقات
إرسال تعليق