مقدمة :
الملكية الفكرية في معناها العام المعاصر تعني الحقوق التي يوفرها القانون والناتجة على كل نشاط أو جهد فكري يؤدي إلى ابداع في
شتى المجالات الأدبية والفنية والعلمية والصناعية، واهتم الإنسان بهاته الحقوق مبكرا منذ بدء حياته بطرق مختلفة باختلاف الأزمنة و العقود وأولاها رعاية وازدها اهتماما وتطويرا على مر السنين.
فأدى الاهتمام بها إلى سن القوانين وتوقيع الاتفاقيات خاصة في ظل ثورة المعلومات والمعارف وانفتاح الحدود و تقارب الثقافات، فباد رت الى حمايتها وأسهمت في بث الوعي بأهميتها وتبيان دورها الفعال في الإبداع الفني والابتكار التكنولوجي والمضي بالمجتمعات الى التقدم والازدهار. فما كان صعب المنال وضربا من الخيال الجامح في الماضي القريب صار واقعا ملموسا وحقيقيا في الوقت الحالي بفضل الاختراعات والابتكارات التي خرجت من عباءة المخترعين والمؤلفين والفنانين مما أثر على معيشة وتواصل و حتى استشفاء الأفراد.
وأضحت الملكية الصناعية محور اهتمام الشرق والغرب من اقتصاديين وماليين وقانونيين في خضم ما يشهده العالم من تغيرات متسا رعة في شتى المجالات الاقتصادية والصناعية والعلمية فكل ما ينتج عن العقل من أفكار يشمل حقل الحقوق الفكرية . والإنسان بما وهبه اﷲ من عقل وٕإدراك وتمييز توصل إلى الكثير من الاختراعات التي كان لها آثارا عظيمة في تقدم الحضارة الإنسانية .
غير أن هذا الإنتاج الفكري لم يبق حبيس الدولة الواحدة بل امتد إلى خارجها مما تطلب لاعتبارات العدالة ومصلحة المجتمع حماية حق المخترع فيما يتوصل إليه من ابتكارات، فتكفلت التشريعات في مختلف الدول بحمايته عن طريق براءة الاختراع باعتبارها شرطا لازما وسندا ضروريا للحماية.
وظهرت الحاجة لحماية المخترعين وتشجيع الإبداع وتنميته مع بداية العصور الحديثة التي شهدت اندلاع ثوارت تكنولوجية كبرى في العالم الغربي وانتشرت بعدها إلى باقي دول العالم أدت الى تحولات عملاقة دفعت إلى إحداث تغييرات في شتى الميادين ، وعكست آثارها على جميع المستويات والمجالات ، فتأثرت بها حقوق الملكية الصناعية ممادفع بالدول إلى استحداث نظم وقوانين وآليات لحماية هذه الحقوق من التعدي عليها.
فكانت البداية في حماية براءة الاختراع فردية وبسيطة لا تتعدى الحماية وآثارها إقليم الدولة الواحدة. وتمتد جذو رها لأول قانون تناول حقوق المخترع إلى جمهورية فينيسيا (البندقية) بايطاليا بتاريخ 19 مارس 1447 ثم انتقل مبدأ حماية حق المخترع بصدور قانون الاحتكارات الانجليزي في سنة 1610 ثم عقبه القانون الأمريكي للاختراعات عام 1790 ومن بعده صدر القانون الفرنسي في سنة 1791 الذي كان أول قانون ينظم عملية تسجيل البراءات، ليتم بعد ذلك تعميم حماية حقوق المخترع في مختلف التشريعات الوطنية في معظم قوانين دول العالم.
واستوجب الأمر تمديد الحماية على المستوى الدولي في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية وانفتاح التجارة وزيادة التبادلات وتداخل المعاملات بين الدول، فكانت اتفاقية باريس في 20 مارس 1883 أ ول اتفاقية دولية تعني بحقوق الملكية الصناعية وتضم كافة الدول المهتمة بها تحت اسم اتحاد باريس، وقد خضعت لعدة تعديلات آخرها في 2 أكتوبر 1979 وانضمت إليها الجزائر بموجب الأمر75/02 المؤرخ في09 جانفي 1975. ومن بعدها اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) في 14 جويلية 1967 ثم اتفاقية واشنطن المتعلقة بالتعاون الدولي بشأن براءات الاختراع بتاريخ 19 جوان 1970 وأيضا التوقيع على اتفاقية ستراسبورغ بشأن التصنيف الدولي لبراءات الاختراع في 24 مارس 1971.
تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات تستهدف تحرير التجارة في مدينة مراكش بالمغرب في شهر مارس 1994 ومن أهم ما أسفر عنها التوقيع على اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية التريبس (TRIPS)، وتعد أهم وأخطر ما نتج من جولة أوروجواي ومن أكثر الاتفاقيات اثارًةً للجدل، وآخر اتفاقية دولية تنظم كافة حقوق الملكية الفكرية بشقيها الادبي والصناعي.
و كانت الجزائر دائما واعية بضرورة حماية واحترام حقوق الملكية الفكرية رغم بعض العثرات الناتجة عن الأزمات التي عرفتها منذ الاستقلال وبوأتها مكانة مهمة في كامل دساتيرها وٕإن كانت تختلف حسب التوجه الذي انتهجه كل دستور. فصدر الأمر رقم 66/54 في 03 مارس 1966 المتضمن شهادات المخترعين وٕاجا ازت الاختراع وظل الإطار القانوني لحماية هاته الحقوق لمدة طويلة، واستعمل المشرع عبارة إجازة بدل البراءة وتبنى من خلال أحكامه أن هذه الشهادة الممنوحة للمخترع تعطي له عائد أو مكافئة تلتزم الدولة بتقديرها حسب قيمة الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب عن تطبيق هذا الاختراع.
ومع صدور دستور سنة 1989 الذي تبنى النهج الراسمالي بدأت الجزائر تنسحب من التسيير الاقتصادي بوضع قواعد جديدة ذات طابع ليبيرالي تخضع قواعده إلى قواعد السوق الحر، أي قواعد العرض والطلب وذلك بتحرير الاقتصاد من التبعية الشديدة إازء الدولة وتفعيل مبدأ سلطان الإاردة في التعاقد والمنافسة الحرة وتجسيد مبدأ حرية التجارة، وتنفيذا لهذه النصوص الدستورية بادرت السلطة إلى إصدار المرسوم التشريعي رقم 93/17 المؤرخ في07 ديسمبر1993 المتعلق بحماية الاختراع، والذي ألغى الأمر رقم 66/54 المتعلق بشهادة المخترع وٕ اجازة الاختراع. ولكن رغم الروح الليبرالية التي اتسم بها هذا القانون إلا أنه لم يسلم من النقد خاصة من قبل المستثمرين الأجانب الذين أكدوا أنه ضمانة غير كافية لاستثماارتهم.
كما لجأت الجزائر إلى تعديل تشريعاتها الخاصة ببراءة الاختراع تحسبا للانضمام إلى اتفاقية تريبس، فصدر الأمر رقم 03/07 المؤرخ في19 جويلية 2003 المتعلق ببراءة الاختراع. وقد تضمن هذا القانون إصلاحات عميقة لسد الثغرات الموجودة في المرسوم التشريعي رقم 93/17 تتفق في مجملها مع القواعد القانونية لحماية الاختراعات التي فرضتها التريبس من حيث تشديد الطابع الردعي لعقوبة التقليد ورفع مدة الحماية.
أولا/ أهمية الموضوع:
إن التطرق لهذا الموضوع جاء وليد القضايا المهمة التي تكتنف براءة الاختراعباعتبارها أهم أدوات الملكية الصناعية وأكثرها صعوبة وتعقيدا، بالإضافة إلى الكثير من القضايا المتعلقة بالبراءات المستحدثة لم تكن محل حماية بهذا النظام أو تختلف القوانين بشان حمايتها.
وتظهر أهمية الموضوع جلية في إبراز الوضعية الحالية لبراءات الاختراع في القانون الج ازئري ومحاولة توضيح صو رها ومعالمها والقوانين التي تحكمها وسبل ووسائل حمايتها ،خاصة أن الجزائر في غمار الانضمام إلى اتفاقية تريبس قامت بتعديل تشريعاتها في براءات الاختراع بما يتلاءم مع هذه الاتفاقية مع الاحتفاظ على بعض المقومات القائمة والمعبرة عن سيادتها.
وأيضا التطرق إلى ما أتت به اتفاقية تريبس باعتبارها أهم وأحدث اتفاقية للملكية الفكرية أولت اهتماما كبيرا بالبراءات وأسبغت حماية واسعة لها دون تمييز بين الحقول التكنولوجية المختلفة، كما مددت الحماية للمنتج وطريقة الصنع، ووسعت نطاق الحماية لتشمل مختلف منتجات الأدوية والنباتات مما آثار استحسان بعض الدول وحفيظة دول أخرى.
ثانيا/أسباب اختيار الموضوع:
إن اختيار موضوع براءات الاختراع جاء لعدة أسباب لعل أهمها هو قناعتنا الشخصية بأهمية الموضوع ورغبة في التعمق فيه باعتبا ره مجال التخصص.
وتمثل هذه الدراسة مساهمة متواضعة ومحاولة لتدعيم المكتبة العربية ولو بالقدر البسيط في هذا المجال خاصة مع ما يكتنفه الموضوع من صعوبات في عدم كفاية وافتقار للكثير من الكتب المتخصصة وقلة المراجع والأبحاث والدراسات السابقة، وحتى في عدم التوافق واتحاد المصطلحات العربية مع نظيرتها الأجنبية المترجمة.
ثالثا/ الإشكالية:
أصبحت بارءة الإختراع سمة لتقدم وازدهار الدول ومؤشر على التطور التكنولوجي ،وتعتبر اعترافا للمبتكر بجهده وفرصة للتمتع بحقوقه الإستئثارية، كما تعتبر براءات الاختراع قضية هامة تكتسي في الوقت الراهن أهمية متزايدة في السياسات التجارية الدولية، ومطلب عالمي باعتبارهاراسمال لجذب الاستثمار الأجنبي للاستفادة بأكبر قدر من الأموال والخبرات في مختلف الأنشطة ونقل التكنولوجيا المتقدمة ودعم البحث وتحفيز الإبداع. وأن الحماية الكافية لها تعد مطلبا وشرطا لتشجيع الابتكار وتقدمه وتنميته.
من خلال ما تقدم نطرح الإشكالية التالية:
ما مدى الحماية المقر رة لبراءة الاختراع في القانون الجزائري واتفاقية تريبس؟ وللإجابة على الإشكالية نطرح التساؤلات الفرعية التالية:
1- ما مفهوم البراءة وما هي شروطها الشكلية والموضوعية في القانون الجزائري؟
2- فيما تتجسد الحماية التي أقرها المشرع للبراءة ؟
3- ماهو نطاق البراءة في القانون الج ازئري واتفاقية تريبس؟
4- هل واكب المشرع الجزائري التطوارت الحاصلة على مستوى اتفاقية تريبس؟
رابعا/ المنهج المتبع:
تقتضي طبيعة البحث وخصوصية الموضوع التعامل مع عدة مناهج بطريقة متكاملة ومتناسقة من أجل الإلمام بمحاور الدراسة وفي هذا الإطار اعتمدنا على المنهج الوصفي الذي يعتبر الأنسب لإبراز وتحديد نظام البراءات في القانون الج ازئري مع استعمال المنهج التحليلي لتوضيح مناطق الاختلاف بين البراءات في هذا الأخير واتفاقية تريبس.
خامسا/ خطة البحث:
لتحقيق البحث والإجابة عن الإشكاليةراتأينا تقسيم الموضوع إلى فصلين:
الفصل الأول بعنوان النظام القانوني لبارءة الإختراع في القانون الج ازئري ونتطرق فيه لمفهوم براءة الإختراع وشروطها، وأيضا الحق في البراءة وأسباب انقضائه في مبحثين. والفصل الثاني يتناول نطاق براءة الإختراع في القانون الج ازئري واتفاقية تريبس تعرضنا في المبحث الأول إلى نطاق البراءة في القانون الج ازئري وحمايتها، والمبحث الثاني تناولنا توسيع نطاق حماية البراءة في اتفاقية تريبس. والخاتمة التي تتضمن النتائج والتوصيات.
---------------------------
قائمة المراجع:
1-
أ.د /الطيب زروتي، القانون
الدولي للملكية الفكرية تحاليل ووثائق، مطبعة الكاهنة ،الجزائر، الطبعة
الأولى.
2-
السيد عبد الوهاب عرفة،
الوسيط في حماية حقوق الملكية الفكرية، دار المطبوعات الجامعية، الجزائر.
3-
د/ جلال وفاء محمدين، الحماية
القانونية للملكية الصناعية وفقا لاتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق
الملكية الفكرية (تريبس)، دار الجامعة الجديدة، للنشر ،الإسكندرية ،2000.
4-
د/ حساني علي، براءة الاختراع
(اكتسابها وحمايتها القانونية بين القانون الجزائري والقانون المقارن)، دار
الجامعة الجديدة، الإسكندرية)، 2010.
5-
د/ حنان محمود كوثراني،
الحماية القانونية لبراءة الاختراع وفقا لأحكام اتفاقية تريبس (دراسة مقارنة)،
منشوارت الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الأولى ،2011.
6-
د/ حميد محمد علي اللهبي،
الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في إطار منظمة التجارة العالمية، المركز
القومي للإصدارات القانونية، الأردن، الطبعة الأولى ،2011.
7-
خالد يحي الصباحين، شرط الجدة
(السرية) في براءة الاختراع (دراسة مقارنة بين التشريعين المصري والأردني
والاتفاقيات الدولية)، دار الثقافة للنشر والتو زيع ،الأردن، الطبعة الأولى ،2009.
8-
د /دانا حمة باقي عبد القادر،
حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالأصناف النباتية الجديدة والمنتجات الدوائية،
دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات ،مصر ،2011.
9-
د/ ريم سعود سماوي، براءات
الاختراع في الصناعات الدوائية (التنظيم القانوني للتراخيص الاتفاقية في ضوء منظمة
التجارة العالمية W.T.O)، دار الثقافة للنشر والتوزيع،
الأردن ،2008.
تعليقات
إرسال تعليق