رسالة بعنوان: الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان PDF
لكن تعدد حركات السخط المناهضة للعولمة أثناء اتخاذ القرارات على المستوى العالمي، يؤكد لنا في كل مرة وجود عالم محلي ليس بمهيمن على معايير وقيم السياسة العالمية، يسعى لإيصال صوته وإحداث تغيير في هذه السياسيات. إن هذا المنطق الثنائي غير القابل للتوليف (التركيب المزج بين شروط الوحدة التي تستدعيها عملیات وضع مشروعات الضبط العالم في مختلف المجالات، وضروره اذ بعين الاعتبار التعددية الموجودة على المستوى محلي، والتي لا تستوجب عمليات الاحتراں ونفي الأخر، يستدعی الحديث عن حوكمة عالمية عادلة ومتكافئة وغير إقصائية، لا تقتصر فقط على مناقشات معيارية حول "حوكمة عالمية أكثر"، بل تمتد لمناقشة "حوكمة عالمية أفضل".
تعتبر قضايا حقوق الإنسان من بين أهم القضايا في مجال الحوكمة العالمية التي تأثرت بهذه التغيرات النوعية والبنيوية التي عرفها العالم الحديث، حيث بدأ الاهتمام العالمي بما يتزايد خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، نتيجة للانتهاكات اللاإنسانية التي اقترفت بحق الإنسانية، أين بدأت خلال هذه الفترة حركة دولية لتدوين حقوق الإنسان في اتفاقيات دولية ملزمة، تبلورت خلالها حقوق الإنسان بشكل واضح، وأصبح ينظر إليها من منظور واسع وشامل، حيث أبرمت العديد من الاتفاقيات، الإعلانات، والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، شگلت لنا ما يعرف "بالقانون الدولي لحقوق الإنسان".
لكن، مع نهاية الحرب الباردة، وانتشار العولمة الغربية بشكل كبير، طرحت العديد من الاشكاليات الجديدة في موضوع حقوق الانسان، منها التأثيرات السلبية للهيمنة الليبرالية على الموضوع، أو بالأحرى عولمة القيم الغربية الأمريكية، التي شكلت تحديدا صارخا لباقي القيم العالمية والخصوصياتها وهوياتها المحلية. الأمر الذي جعل الأمم المتحدة في الدورة الرابعة والأربعين (44) لجمعيتها العامة تدعو لتنظيم مؤتمر عالمي ثاني حول حقوق الإنسان، من أجل بناء تصور أكثر عالمية وأكثر عملية لهذا النسق الحقوقي، كما ألخت أيضا على ضرورة تنظیم تصورات جهوية متوافقة مع مراعاة الخصوصية (في آسيا، إفريقيا وأمريكا اللاتينية)، بالإضافة إلى دعوتها لضرورة إشراك المنظمات الحقوقية - الحكومية وغير الحكومية - في ذلك. وهو الشيء الذي تجسد فعليا في إعلان و برنامج عمل فيينا 1993م، خصوصا في مواده 5، 32، 37، 38 من الفصل الأول.
عند الحديث عن حوكمة عالمية لحقوق الإنسان، لابد من التنبيه إلى التطورات الكبيرة التي عرفها الضبط العالمي لحقوق الإنسان، والتي تراوحت بين العديد من النماذج تماشيا مع المفاهيم المختلفة التي عرفها مفهوم الحوكمة العالمية. إن فهمنا الجيد للعلاقات الموجودة بين مفاهیم حقوق الإنسي، الحوكمة العالمية والعميمة، يوقر الشروط الضرورية النموذج حوكمة عالمية لحقون الإنسان، اه ومسروحه، تستجيب لكل الكيانات والهويات والعقائد المشكلة للمجتمع العالمي، آخذ بعين الاعتبار الوحدة المتعددة ( Multi-unit ) لهذا العالم.
1/أهمية وأهداف الدراسة :
أ- أهمية الدراسة: تنبع أهمية موضوع الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان من خلال :
2- الأنواع المتعددة للضبط التي عرفها موضوع حقوق الإنسان، وذلك انطلاقا من مختلف مشاريع الضبط الوضعية التي كانت تحت الإشراف المباشر لدول العالم القوية، والتي لم تتفق بينها حتى على نموذج معين من الحقوق. بل بالعكس أدخلت هذا الموضوع في صراعاتها الكثيرة (الاقتصادية، السياسية، الثقافية، والفكرية ...).
حيث اعتبرت حقوق الإنسان من بين أهم مواضيع الصراع الايديولوجي، التي عرفتها دول العالم الغربي بقطبيه الرأسمالي والاشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية (1945م)، والتي لم يفصل فيها إلا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، ليفتح المجال لهيمنة أحادية على العالم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. لكن التجليات الكبيرة لظاهرة العولمة، والصراعات الفكرية الحادة التي صاحبتها، أدت إلى ظهور ضبط جديد لحقوق الإنسان ميزته الخلو من أي بعد إيديولوجي، سیاسي، اقتصادي، قيمي ديني... الخ، ولا يركز إلا على إنسانية الإنسان.
3- الإشكاليات الحديثة التي تواجه موضوع الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان والتي اختلفت عن سابقاتها مثل: العالمية والعولمة، العالمية والخصوصية، كل هذا في ظل التأثيرات العميقة للعولمة، وما نتج عنها من تغييرات في السياسية الدولية.
ب- أهداف الدراسة: تتجلى أهداف الدراسة في النقاط التالية:
1- تتبع التطورات المختلفة التي عرفتها الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان، منذ أن كانت عبارة عن مبادرات فردية ذاتية خاصة بدول، إلى أن أصبحت مبادرات جماعية موضوعية خاصة بالبشرية جمعاء.
2- فهم مختلف التحولات التي طرأت على منظومة حقوق الإنسان وفق المنظورات التحليلية الجديدة، وبالأخص منظور "الحوكمة العالمية".
3- التطرق إلى أحدث الأفكار في موضوع حقوق الإنسان - التي تأثرت بشكل كبير بظاهرة العولمة - والتي تمهد لبناء مشروع ضبط عالمي خالي من أي بعد أو مرجعية، إيديولوجية كانت أو قيمية دينية. والوصول إلى حوكمة عالمية لحقوق الإنسان، غايتها احترام إنسانية الإنسان، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والحريات المتعددة، تجسيدا لمفهوم "الوحدة المتعددة".
2/أسباب اختيار الموضوع :
أ- الأسباب الذاتية :
أولا/ الرغبة الدائمة في دراسة المواضيع المتعلقة بالإنسان خصوصا من الجانب القانوني والفكري، وذلك من أجل إثراء مهاراتي الشخصية في المجال المهني، الذي يعتبر فيه الإنسان أقدس الأولويات.
ثانيا/ محاولة فتح نقاشات نظرية جديدة في موضوع حقوق الإنسان، تكون تمهيدا لدراسات أكاديمية لاحقة، سواء في المسار العلمي الأكاديمي أو المهني الخاص.
ثالثا/ العمل على إضافة لبنة جادة حول هذا الموضوع، تكون كمساهمة جديدة ومفيدة .
أولا الحيوية والديناميكية التي يمتاز بها موضوع حقوق الإنسان عبر الإطارين الزمان والمكاني ، وتأثره بكل مجرياتهما، التي تفرض علينا تتبع التغيرات التي طرأت عليه ودراستها. ثانيا /تعدد مشاريع الضبط واختلاف أسسها ومنطلقاتها، وارتسام معالم ضبط عالمي جديد حوكمة عالمية).
3/حدود الدراسة:
الموضوع الرئيسي لهذه الدراسة هو "حقوق الإنسان"، والذي يعتبر موضوع متشعب المجالات ومطروح في كل الأمكنة والأزمنة. لكن، ومن أجل تحقيق الأهداف المنشودة في هذا البحث، وجب علينا تحديد نطاق الدراسة التي هي كالآتي:
• النطاق الزمني: تركز الدراسة على فترة زمنية يمكن أن نقول عنها بأنها حديثة نوعا ما مقارنة بقدم الموضوع، وتشمل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى غاية الوقت الحاضر. غير أن مقتضيات الإلمام بجميع جوانب الموضوع تستدعي العودة إلى مراحل قديمة سابقة، على سبيل تتبع أهم التطورات التاريخية التي عرفها موضوع حقوق الإنسان منذ العصور والحضارات القديمة جدا، وصولا إلى آخر مبادرة في هذا الموضوع وهي مؤتمر وإعلان برنامج عمل فيينا +20.
وبالتالي فالإطار الزمني المحوري للدراسة سيركز على الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى غاية التطورات الأخيرة الحاصلة في السياسة الدولية، بالتزامن مع تغيرات نوعية وبنيوية كثيرة مست مختلف مفاهيم التنظيم السياسي والاجتماعي .
• النطاق الموضوعي: تقتصر الدراسة على تناول البدايات الأولى لحوكمة موضوع حقوق الإنسان عالميا، انطلاقا من الاعلان العالمي لحقوق الانسان مختلف الجهود الدولية - في الموضوع - التي تلته فيما بعد ، مع تأثر هذا المزضوع في ظاهرة العولمة وتناوله للإشكاليات الجديدة، إلى غاية آخر مؤتمر عالمي لحقوق الإنسان بفيينا +20 في سنة 2013.
هذا كما أن الموضوع لا يتناول دور دعائم الحوكمة، لأن الدراسة لا تبحث بمساهمة كل داعم منها على حدى في مجال حقوق الإنسان أو تقییم دوره، بل تتناول مختلف الجهود العالمية في حوكمة حقوق الإنسان وعلى رأسها الأمم المتحدة.
4/إشكالية الدراسة:
- ما هي العولمة ؟ وما معنى العالمية ؟ ثم ما الفرق بينهما ؟ ما المقصود بالحوكمة العالمية ؟ وما هي أهم المواقف المحددة في تعريفها ؟ ما هي حقوق الإنسان ؟ وفيما تتمثل مختلف الحقب التاريخية البارزة التي مرت بها ؟ كيف تحسدت الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان على أرض الواقع ؟ و ما هي أبرز سمات انتشارها ؟ وما هي أهم العقبات التي واجهتها ؟ كيف أثرت ظاهرة العولمة - التي عرفتها البشرية وبشكل كبير عقب نهاية الحرب الباردة - على الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان؟ ما هو مستقبل الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان في ظل التجليات العميقة العميقة للعولمة ؟
5/فرضيات الدراسة :
6/ الاقترابات والمناهج :
7/صعوبات الدراسة:
تجدر الإشارة إلى أن الصعوبات التي واجهت إنجاز هذا البحث تمثلت أساسا في طبيعة الموضوع الذي يمتاز بالتعقيد والغموض، خاصة بالنسبة لظاهرة معقدة وجديدة مثل "الحوكمة العالمية"، إلى جانب مختلف التغيرات الحاصلة في الساحة السياسية الدولية. ضف إلى ذلك نقص المادة العلمية المتخصصة والمتعمقة خاصة باللغة العربية، ما دفعنا للجوء إلى الترجمة من اللغتين الفرنسية والإنجليزية، لتتبع وجمع كل ما كتب حول الموضوع.
وهو أمر من الصعب التعامل معه بالنظر إلى الوقت و الإمكانات و خبرة الباحث، وعلى هذا الأساس فإن هذا العمل المتواضع يعتبر بادرة أولية قد تفتح المجال للعمل والبحث المتواصل في هذا الموضوع.
8/تبرير الخطة:
ارتأينا الاعتماد في هذه الدراسة على خطة منهجية متكونة من:
مقدمة، ثلاثة فصول وخاتمة.
أما المبحث الثاني فيتضمن مطلبين اثنين، حاولنا من خلالهما تحليل مفهوم الحوكمة العالمية كمفهوم مؤطر لموضوعنا، من خلال التعرف على مفهوم الحوكمة أولا، ثم محاولة استكشاف أهم المواقف التعريفية اتجاهه في الأوساط السياسية والأكاديمية خاصة.
أما المبحث الثالث فيلقي الضوء على مفهوم حقوق الإنسان، من خلال التعريف بمقاربة حقوق الإنسان وأهم تصنيفاتها وخصائصها، هذا من جهة. من جهة أخرى، التعرف على أهم التطورات التاريخية التي عرفتها هذه المقاربة من العصور القديمة إلى غاية الوقت الحالي.
أما المبحث الثاني فتم تخصيصه لتناول أهم الجهود الدولية والإقليمية من أجل حوكمة عالمية أكثر لحقوق الإنسان، وذلك بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أين تم التطرق إلى أهم الجهود الدولية في إطار منظمة الأمم المتحدة كهيئة فوق دولية، بالإضافة إلى الجهزد الإقليمية: الأوروبية، الأمريكية، الإفريقية، العربية والآسيوية، حيث تم التطرق لمعظم الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي سعت إلى تحقيق هذا الهدف.
أما المبحث الثالث فتناول بالبحث أهم الآليات الدولية والإقليمية لحماية وضمان حقوق الإنسان، متطرقين لكل آلية على حدى، ولمدى إلزاميتها وفعاليتها.
أما المبحث الرابع والأخير فتم التطرق فيه إلى أهم العقبات المواجهة للحوكمة العالمية لحقوق الإنسان في تلك المرحلة -أي قبل التجلي الكبير لظاهرة العولمة - والتي تعددت بين عقبات إيديولوجية تحلت في الصراعات الإيديولوجية - رأسمالية / اشتراكية - العقبات الحضارية الفكرية، بالإضافة إلى العقبات المادية والتقنية.
الأول تناول إشكالية جد مهمة حول موضوع حقوق الإنسان خصوصا مع بداية تحليات العولمة، ألا وهي "إشكالية العالمية والخصوصية في موضوع حقوق الإنسان". حيث تم التطرق إلى الاتجاهين الذين تجاذبا هذه الفكرة وأنصار وحجج كل اتجاه على حدى، إلى غاية الوصول إلى نقطة التقاطع بينهما، النصل في الأخير إلى حل توفيقي بين الاتجاهين.
أما المبحث الثاني المعنون با حقوق الإنسان في إعلان و برنامج عمل فيينا لسنة 1993م، والذي تطرقنا فيه إلى أهم تحكي قانوني لظاهرة العولمة على موضوع حقوق الإنسان، من خلال النقاط الجديدة التي أتى بها إعلان وبرنامج عمل فيينا، والتي كانت تعتبر ردا على أهم النقاط المعابة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثل: العالمية، الخصوصية والترابط، التي أخرجت الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان من النقاش الفكري التقليدي ووضعتها في سياق جديد من النقاش.
تعليقات
إرسال تعليق